تفسير قوله تعالى: (ورأى المجرمون النار)
قال تعالى: ﴿وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا وَلَمْ يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفًا﴾ [الكهف: ٥٣].
وهذا بعد الحساب والعرض على الله، وبعد أن جاءوا صفاً صفاً، وعرض الكتاب في يمين المؤمنين وفي يسار الكفار، وأخذ الكفار عندما أخذوا كتبهم بشمائلهم يصيحون ويندبون ويقولون: يا ويلهم! يا دمارهم! يا هلاكهم! ورأوا جهنم، وفي بعض الأحاديث: أنه يأتي بها كذا وكذا آلاف من الملائكة، وعندما يرون النار يظنون أنهم مواقعوها، والظن بمعنى اليقين، فيظنون أي: يتأكدون؛ ليزدادوا حسرة قبل أن يقذف بهم فيها؛ لأن توقع العذاب هو أعظم من العذاب.
ولذلك الكثير ممن يحكم عليه بالموت، ويكون بين الحكم وبين التنفيذ أيام، يكاد يموت قبل الموت، فيغمى عليه، وتذهل عيناه، ويضيع في نفسه، فيموت وهو مفتح العينين، وقد يموت فعلاً بسكتة قلبية، إلا إذا كان مؤمناً مثبتاً فهذا قد يفرح بالشهادة.
وهؤلاء يرون النار، ويتأكدون أنهم مواقعوها داخلون فيها، وواقعون فيها، فهؤلاء يزداد ألمهم، وتوقع العذاب عذاب.
قال تعالى: ﴿وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ﴾ [الكهف: ٥٣]، المشركون الكافرون ﴿النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا وَلَمْ يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفًا﴾ [الكهف: ٥٣]، وسواء تحققوا أو لم يتحققوا، وظنوا أو توهموا فلا محيد لهم عنها، وليس هناك من يبعدهم عن عذاب الله وعقوبته.
فهم سيدخلونها ويواقعونها ويصبحون جزءاً منها؛ جزاء كفرهم بنبيهم وبكتاب ربهم وبالله جل جلاله، الذي طالما دعاهم ووعدهم وأرسل لهم رسله.
ونحن في الدنيا نشهد على هذا قبل الآخرة، فقد أرسل رسلاً مبشرين ومنذرين، فشهدنا بما سمعنا، وتيقنا به تيقن القطع الذي لا شك فيه، وتأكدنا أن هذا الكتاب الذي نتشرف بتدارسه كلام الله المنزل من عنده؛ لأن الله تعالى ذكر لذلك علامة ومعجزة، وهي أنه لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وقد مضى على إنزاله على نبينا محمد عليه الصلاة والسلام ١٤٠٠ عام، فلم تغير منه كلمة ولا حركة، ثم الإعجاز الذي فيه، إعجاز اللفظ والمعنى، فآمنا علماً، وصدقنا واقعاً، وكنا على غاية ما يكون من الاطمئنان، والحمد لله أن ثبتنا الله على ذلك، وجمعنا بسيد البشر تحت لواء سيدنا المرسلين نبينا عليه الصلاة والسلام.


الصفحة التالية
Icon