تفسير قوله تعالى: (وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى)
قال تعالى: ﴿وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الأَوَّلِينَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ قُبُلًا﴾ [الكهف: ٥٥].
يذكر جل جلاله عن هؤلاء المعاندين الجاحدين، أن الذي منعهم من الإيمان بالرسالة وبصاحبها محمد عليه الصلاة والسلام واستغفار ربهم من جحودهم وكفرهم إلا أن تأتيهم سنة الأولين؛ لأنهم قالوا مثلهم.
وما هي سنة الأولين؟ عاقب الله تعالى الأولين من المشركين والكافرين، فقد عاقب قوم نوح بالطوفان، وقوم هود بصواعق وزلازل، وقوم صالح بالصيحة، وقوم لوط بأن جعل الأرض عاليها سافلها عليهم، وفرعون وقومه بأن استدرجهم إلى أن دخلوا في البحر ورأوا اليابسة واغتروا بمشي موسى وهارون وأتباعهما عليها، فما كادوا يدخلون حتى أطبق عليهم الماء وأصبحوا في أمس الدابر.
وهؤلاء قالوا كأولئك، واستعجلوا العذاب وطلبوا إتيانه، وقالت قريش للنبي عليه الصلاة والسلام: ائتنا بعذاب الله إن كنت من الصادقين.
فهنا يقول تعالى: إن الذي منع هؤلاء من الإيمان هو تقليدهم لأولئك الكافرين، ورغبتهم في أن ينزل العذاب عليهم، وإذا نزل فلا يقبل إيمان ولا توبة ولا استغفار، وهيهات، فقد سبق السيف العذل.
قال تعالى: ﴿وَمَا مَنَعَ النَّاسَ﴾ [الكهف: ٥٥] أي: ممن لم يؤمن منهم، ﴿أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى﴾ [الكهف: ٥٥]، إذ جاءهم الإسلام والقرآن ومحمد عليه الصلاة والسلام ﴿وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ﴾ [الكهف: ٥٥]، أي: ويطلبوا المغفرة من الكفر ومن الجحود ومن الشرك، ﴿إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الأَوَّلِينَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ قُبُلًا﴾ [الكهف: ٥٥]، فقد امتنعوا من ذلك حتى يروا العذاب الذي نزل بالسابقين ينزل بهم، وإذ ذاك يصدقون، وماذا يفيدهم التصديق بعد ذلك! قال تعالى: ﴿أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ قُبُلًا﴾ [الكهف: ٥٥]، أي: مقابلة ومواجهة ومكاشفة.