اختلاف العلماء في الزينة الظاهرة للمرأة
قال تعالى: (ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها) وائمرهن يا محمد! بألا يظهرن من زينتهن إلا ما ظهر منها، فلا يجوز أن تظهر المرأة من محاسنها ومن زينتها إلا ما ظهر منها، واختلف الأصحاب ثم التابعون ثم الأئمة المجتهدون في ذلك، فقال ابن عباس: المرأة كلها عورة إلا وجهها وكفيها، وقال ابن مسعود: المرأة كلها عورة لا يجوز لها أن تظهر إلا عيناً أو عينين للبصر ورؤية الطريق، فإذا كان الأمر كذلك فما هي الزينة الظاهرة عند ابن عباس؟ قال: الزينة الظاهرة الوجه والكفان بلا كحل ولا دهن ولا حمرة، ولا ما يزيد ذلك زينةً وبهاءً، وقال ابن مسعود: زينة المرأة ثيابها الخارجية فقط وإلا فكلهن عورة، واستدل بقوله تعالى: ﴿خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ﴾ [الأعراف: ٣١]، فقد سمى الله تعالى الألبسة الخارجية زينة، فأمر الرجال أن يلبسوها عندما يأتون المساجد خاصة يوم الجمعة، والآيات يفسر بعضها بعضاً، إذاً: زينة المرأة من خارجها من قوام وشكل ومن لباس، ومع ذلك أمر الله الرجال أن يغضوا من أبصارهم خاصة إذا كانت النظرة الثانية، وأخص من ذلك إذا كانت بنية سيئة من شهوة وتمني سوء وفاحشة.
وقال ابن كثير: جمهور الأئمة على أن عورة المرأة هي عورتها في الصلاة والطواف والحج والإحرام، وعورتها كذلك هي الوجه والكفان، وإحرام المرأة في وجهها، ولكن علماءنا مع ذلك قالوا: إذا خيفت الفتنة وانتشر الفساد فيجب الأخذ برأي ابن مسعود، خاصة وأن ابن مسعود استدل بآية واستدل بما كان في عصر الصحابة، فقد كان بعضهن متنقبات باللثام بحيث كان لا يرى منهن إلا العين، وعلى هذا عاش المسلمون قروناً في مشارق الأرض ومغاربها، وما كان ذلك يتغير إلا في العجائز والبدو، وفيما لا يكاد يكون له خطر من زينة أو محاسن.
فـ ابن مسعود احتج بالآية، وابن عباس احتج بالآية وما يفسرها من حديث أسماء أخت عائشة ابنتي أبي بكر الصديق رضي الله عنهم، فقد دخلت على رسول الله البيت ﷺ بألبسة شفافة تكاد تظهر لون اللحم من خلفها، فغضب النبي ﷺ وأعرض وترك المكان ثم عاد، فوجدها لا تزال، وقد قالت لها أختها عائشة: لقد كره منك ﷺ شيئاً، وإذا به يقول لها: (يا أسماء! إذا بلغت المرأة المحيض -إذا بلغت سن الرشد بالحيض- فلا يحل أن يرى منها إلا هذا وهذا) وأشار إلى كفيه وإلى وجهه الشريف صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ولكن مع هذا فـ ابن عباس ومن قال هذا معه من الأصحاب والأتباع والتابعين والمجتهدين ألزموا أن يكون ذلك دون المزيد من الزينة بما يعتبر تبرجاً، والتبرج حرمه الله جل جلاله وقال للمؤمنات: ﴿وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى﴾ [الأحزاب: ٣٣]، أي: لا تفعلن أيتها المؤمنات وأيتها المسلمات بعد أن أسلمتن وأكرمكن الله بالتوحيد فعل الجاهلية الأولى من التبرج وإظهار محاسن المرأة مما لا يليق بالمؤمنة، فإن كان الوجه مكشوفاً وأمنت الفتنة فذلك قد أمضاه الفقهاء والعلماء، ولكن الفتنة قلّما تخفى وقلما تؤمن، وعلى هذا كان المسلمون قروناً مضت وتلتها قرون، فكان حالهم في مشارق الأرض ومغاربها على ستر المرأة في كل بدنها، وما نعيش فيه اليوم من فسوق وفجور وتبرج زاد على فعل الجاهلية الأولى بما لا يكاد يقبله حتى أهل الكتاب، فكيف بالمسلمين؟ وكيف بأتباع نبينا خاتم الأنبياء صلوات الله وسلامه عليه؟! قال تعالى: (وليضربن بخمرهن على جيوبهن) الخمر: جمع خمار، والخمار: ما يستر شعر المرأة، وكانت المرأة تستعمله حتى في الجاهلية، ولكنهن كن يكشفن نحورهن وأجيادهن وأذرعهن وظهورهن، فأمر الله جل جلاله في كتابه بأن خمار الرأس يجب أن يضرب على العنق وعلى الجيوب كلها، والجيوب: جمع جيب: وهو الشق، ومن هنا سميت الشقوق في القمصان والثياب جيوباً، وهناك جيب العنق، وجيب القفا، وجيب الآباط، كل هذه الجيوب يجب أن تستر وتغطى بالخمر، فلا يجوز أن تظهر المرأة منها شيئاً لا عنقها ولا شعرها ولا أقراطها ولا عقودها ولا أساور يدها ولا خلاخل رجلها ولا شيئاً من ذلك، كل ذلك قد حرمه الشارع وشدد فيه ونهى عنه، وأمر بالعفة والستر والمروءة والحشمة والحياء.
كما قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ﴾ [الأحزاب: ٥٩] أي: قل يا محمد! لزوجاتك أمهات المؤمنين ولبناتك: زينب ورقية وأم كلثوم وفاطمة والأحفاد منها، وقل للمؤمنين ولنساء المؤمنين عامة يدنين عليهن من جلابيبهن، والجلباب: ما يستر جميع بدن المرأة، ولا يزال يسمى في المغرب بالجلابية ويسمى هنا بالعباءة، ويسمى في كل قطر من الأقطار الإسلامية باسم، فقال الله لنبيه: قل لجميع المسلمات من أمهات المؤمنين وبنات آل البيت وعموم المسلمات أن يدنين ويقربن عليهن الجلابيب بحيث يكون البدن جميعه مستوراً.