تفسير قوله تعالى: (الله نور السماوات والأرض)
قال تعالى: ﴿اللَّهُ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونِةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ [النور: ٣٥] هذه الآية من أعظم آي كتاب الله، ومن أبهرها، ومن أعمرها معانياً وأمثالاً وحكماً ونوراً، فإن سلفنا الصالح من عصر الصحابة فمن بعدهم قد اختلفوا في أمثالها وفي متشابهها اختلافاً طويلاً عريضاً، ولم يكد نقف عند شيء اتفقوا عليه لنتمسك به، والله يؤتي الحكمة من يشاء.
قال تعالى: ((اللَّهُ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ)) فالله هو الذي نوّر السماوات والأرض، وأشرقت بنوره، وأشرقت السماوات بالملائكة والشمس والقمر والنجوم وأشرقت الأرض بالأنبياء وبالعلماء وبالمؤمنين وذاك من نور الله، وزالت الظلمات وزال الكفر والفسوق والعصيان وعم النور الأرض والسماء، وكل ذلك من نور الله، وقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم: أرأيت ربك يا رسول الله؟ قال: (نور أنى أراه) أي: هو نور فكيف يرى النور؟! والنبي ﷺ عندما ذهب للطائف يدعو أهلها لدين الله فسلطوا عليه سفهاءهم وصبيانهم وصنعوا ما صنعوه، دخل بستاناً يشكو لربه غربته، وكان هذا في السنوات الأولى من النبوة، ثم صاح وهو يدعو الله: (اللهم يا من أشرقت السماوات والأرض بسبحات وجهه الكريم) وطلب نوراً لعباد الله وللناس جميعاً، طلب نوراً ليقويه على رسالته، ويشد أزره إلى أن يتمها، ويهتدي به من الناس من قدّر الله له الهداية والنور.
((اللَّهُ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ)) ممن نور الله تعالى أشرقت الشمس وأشرق القمر وتلألأت النجوم، ومن نور الله تعالى تنورت قلوب الأنبياء فدعوا إلى النور والهداية، ومن ذلك تنورت قلوب العلماء فدعوا إلى عبادة الله، وإلى بيان كتاب الله وبيان سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإلى وضوح الحلال الحرام، والمؤمنون الذين يعبدون الله قائمين وراكعين وساجدين أشرقت قلوبهم بمعرفة الله ودينه.
((اللَّهُ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ)) فبنوره اهتدى المهتدون، وآمن المؤمنون، ودعا الأنبياء والمرسلون، وأطاعت الملائكة التي لا تعصي الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون، والله جل جلاله الخالق الرازق بنوره علم الإنسان كينونته وعلم وجوده، وعلم ما لله عليه وما له على الله جل جلاله، والله لا يجب في حقه شيء وإنما ذلك من فضله وكرمه وجوده.
﴿اللَّهُ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ﴾ وفي المثل هذا اختلف المختلفون وتنازع المتنازعون وحق لهم ذلك، فيضرب الله مثلاً لنوره وهو ما ختم به الآية: ((وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ)).
قال تعالى: ((اللَّهُ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ)) ضرب مثلاً لنوره جل جلاله كالنور في الكوة أو في تلك التعاليق التي يكون فيها القنديل، وفي القنديل المصباح، والمصباح: السراج، والسراج هذا في زجاجة، والضوء في الزجاجة أضوء ما يكون، وأكثر إنارة مما لو كان في غير الزجاجة، ((الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ)) الزجاجة من إضاءتها يكاد سنا برقها يأخذ بالأبصار؛ لشدة نورها كأنها الكوكب الدري، والكواكب الكبار خمسة: منها: المشتري وعطارد والزهرة، وتكون هذه عادة أكثر ضياء، وأعم نوراً، ويعم ضياؤها الخلق والناس وخاصة بالليل، ولا يكاد نورها يظهر في النهار، والشمس والنجوم والكواكب مضيئة باستمرار، تُرى في الليل ولا ترى في النهار، ولكن ليس ذلك لكسوف؛ بل لأن ضوء الشمس أقوى منها فيختفي ضوءها.