تفسير قوله تعالى: (إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله)
قال تعالى: ﴿إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ [النور: ٥١].
أي: أنه يجب أن تظهر أمارات حب الله ورسوله على زاعمها قولاً وعملاً واعتقاداً؛ ليكون مؤمناً حقاً، فليس الإيمان قولاً يقال باللسان فقط، بل هو قول باللسان، وعقد بالجنان، وعمل بالأركان.
فإذا خلت هذه الصفة من إيمان المؤمن انقلب منافقاً كذاباً مشركاً يزعم الإيمان وما هو بمؤمن، قال تعالى: ﴿إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [النور: ٥١] وهذا الذي يليق بالمؤمنين، وهنا تقدم خبر كان على اسمها وهذا كثير في لغة العرب، والقرآن نزل بلغة العرب فكان البليغ والمعجز والفصيح، وفائدة تقديم الخبر على الاسم هنا الدلالة على الحصر: ﴿إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾ [النور: ٥١] أي: إذا طولبوا بتحكيم شرع الله فليس لهم إلا أن يقولوا: ﴿سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا﴾ [النور: ٥١] أي: سمعنا قول الله وأطعناه، وسمعنا قول رسوله ﷺ وأطعناه، فهذه هي الصفة الواجبة واللازمة واللائقة بالمؤمن، وأما أن يقول: سمعت وهو عاصٍ فهذا ليس بمؤمن حقاً، وإنما هو ظالم لنفسه بشركه وعصيانه.
قال تعالى: ﴿إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا﴾ [النور: ٥١] إنما كان قول المؤمن الحق إذا دعي إلى تحكيم كتاب الله وسنة رسول الله ﷺ أن يقول: سمعت وأطعت في المنشط والمكره، فيما يريد وما لا يريد، فيما يعجبه وما لا يعجبه، وليس القرآن وليست السنة وليس الإسلام خاصاً لنزوات الناس، ولا لشهواتهم، ولا لما يتفق مع أغراضهم وألاعيبهم، وإنما جاء بالحق الصراح والعدل المطلق، وإنما جاء لردع الظالم وإعطاء المظلوم حقوقه رضي بذلك الظالم أم لم يرض، بل يجب عليه إن كان مؤمناً حقاً أن يتقبل ذلك بالرضا والسمع والطاعة وإلا كان منافقاً كذاباً.
قال تعالى: ﴿وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ [النور: ٥١] أي: هذا المفلح الذي حصل على الفلاح والنجاح والرحمة والرضا من الله على دخول الجنان، والبعد عن النار وسعيرها وعذابها، وعن النفاق وباطله، وهؤلاء الذي ينبغي لهم -وهم يقولون إنهم مؤمنون- أن يسارعوا إذا دعوا للحكم بكتاب الله والحكم بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويقولوا: سمعنا ووعينا وأدركنا، ويقولوا: أطعنا طاعة مطلقة سواء كان الحكم لنا أو كان علينا، وذلك ما يقول الله فيه: ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ [المائدة: ٤٥]، ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ [المائدة: ٤٧]، ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ﴾ [المائدة: ٤٤].
فالحكم بغير كتاب الله وبغير سنة رسوله ﷺ إنما هو الظلم والفسق والكفر، وما سوى ذلك فهراء لا طائل تحته، فليس هناك إلا حق وباطل، والحق ما جاء به الإسلام، والباطل ما جاء به غيره، والعدل ما أتى به الإسلام، والظلم ما جاء به غيره من الكتب المنسوخة المحرفة، ومن الأديان الباطلة، ومن الفلسفات التي أدت مهمتها يوماً إن كانت صالحة ثم عادت إلى الظلم وإلى الفسق وإلى العصيان وإلى نشر الفواحش بكل أشكالها وألوانها.