تفسير قوله تعالى: (وقالوا أساطير الأولين اكتتبها)
قال تعالى: ﴿وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا﴾ [الفرقان: ٥].
وقال هؤلاء الكفار أيضاً، وهم أنواع وأشكال، فهذا الذي قالوه قديماً هو الذي يقال حديثاً، وكأن هذه الآيات أنزلت الآن لتكون رداً على هؤلاء، قالوا: اكتتبها، أي: طلب كتابتها، وهو أمي لا يكتب، وأساطير الأولين جمع أسطورة، كأحاديث وأحدوثة، وهو من التسطير والكتابة، قال تعالى: ﴿ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ﴾ [القلم: ١]، فهي كتابة طلب تسطيرها وكتابتها ممن يكتب، ومن كان يكتب؟ من هم هؤلاء الذين كانوا يكتبون فكتبوا للنبي هذا عليه الصلاة والسلام؟! أكتبها هذا الرومي أو هذا النصراني أو هذا اليهودي؟ ثلاثة من البسطاء السذج وهم لا يعلمون الكتابة لا بالعربية ولا بغيرها، ولا يعلمون معرفة، ولا يكادون يبينون بالفهم والمنطق والسماع.
قوله: (وقالوا أساطير الأولين) فهذه أخبار الأولين، وأين الأخبار الجديدة؟ القرآن ليس فيه أخبار الأولين فقط، بل فيه أخبار الأولين وأخبار الآخرين، وفيه الحكم والمعارف والآداب والحقائق، وفيه الحلال والحرام والعلوم، وليس فيه فقط علم السماء، وعلم الأرض، وعلم خلق البشر، وإنما في القرآن كل شيء، قال تعالى: ﴿مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ﴾ [الأنعام: ٣٨].
قالوا: هذه أساطير وأقاصيص الأولين اكتتبها، وما سوى ذلك من الذي كتبه؟ ومن كان له هذا العلم بالغيب بكل هذه الدرجة؟ ومن كانت له هذه المعارف التي أعجزت الأولين والآخرين؟! ولكن هذا فعل المجانين عندما يعجزون تجدهم تارة يضربون باللسان شتماً، وتارة باليد ضرباً.
﴿وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا﴾ [الفرقان: ٥] أي: يكتتبها، ثم (تملى عليه) أي: تقرأ وتتلى عليه، من الإملاء.
(بكرة وأصيلاً) صباحاً وعشياً، هكذا زعموا.