تفسير قوله تعالى: (وقالوا مال هذا الرسول يأكل الطعام)
قال تعالى: ﴿وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ﴾ [الفرقان: ٧].
انتقلوا من القرآن إلى النبي نفسه عليه الصلاة والسلام، فقالوا على القرآن ما سمعتم هذه المرة، وأرادوا أن ينتقصوا النبي ﷺ بشيء، وهذا جنون آخر، فقالوا: ﴿وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الأَسْوَاقِ لَوْلا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا﴾ [الفرقان: ٧].
قالوا: هذا النبي يقول: إنه نبي، وهو يأكل كما نأكل، وبطبيعة الحال من يأكل يذهب إلى الخلاء، فأرادوا أن يتنقصوه بذلك، وتصوروا أن النبي لابد أن يكون ملكاً، أو يكون نوعاً من البشر لا يأكل ولا يشرب ولا يتزوج ولا يلد! وهذه صفات الله وليست صفات البشر، وصفات الملائكة، فالله الذي لا يأكل ولا يشرب، والملائكة خلقهم من نور وأغناهم بالذكر عن الطعام والشراب، وقد قال النبي عن الملائكة بأن طعامهم وشرابهم هو الذكر؛ ولذلك قال عليه الصلاة والسلام: (أطت السماء وحق لها أن تئط، ما من موضع قدم إلا وفيه ملك ساجد أو راكع) وهم يخرج الذكر منهم كما يخرج النفس منا، كما أن الإنسان منا إذا انقطع نفسه مات الملك كذلك لا يستطيع أن يقطع الذكر، فالذكر له كالنفس فإذا وقف مات، وهو لا يموت إلى آخر الدهر إلى يوم القيامة ثم الكل ﴿كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ﴾ [الرحمن: ٢٦ - ٢٧].
فهؤلاء عابوا على النبي ﷺ بأنه يأكل ويمشي في الأسواق، فهم قد رأوا القياصرة والأباطرة من الملوك لا يرونهم في الشوارع، ولا يأتي أحدهم ليشتري خبزاً أو يشتري الزيت، ولا يفعل ما يفعله بقية الناس، هم كانوا يريدون من النبي هذا الفعل، فإذا كان بشراً لابد أن يكون مثل كسرى وهرقل، يترفع عن أن ينزل في الأسواق، والنبي لابد له من النزول إلى الأسواق، ولابد له من أن يتكسب، ولابد له من أن يبيع ويشتري، وكان النبي عليه الصلاة والسلام في بيته يذبح شاته ويسلخها، ويعين أهله في شئون البيت، وباع واشترى عليه الصلاة والسلام بما يعيش به، فهو إنسان، وعلى إنسانيته هو رسول ونبي، فقد فعل الله هذا بالأنبياء المرسلين قبله.