تفسير قوله تعالى: (بل كذبوا بالساعة)
وكذبهم الله بقوله: ﴿بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ وَأَعْتَدْنَا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيرًا﴾ [الفرقان: ١١].
أي: هؤلاء كفرة مشركون، وما أملوه عليك من نظائر وأشباه وأمثال إن هو إلا الكفر والجحود والحقد على الله ورسوله والمؤمنين.
﴿بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ﴾ [الفرقان: ١١] أي: كذبوا بيوم الحشر والنشر، وكذبوا بيوم الحساب والعقاب، والجنة والنار.
قال تعالى: ﴿وَأَعْتَدْنَا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيرًا﴾ [الفرقان: ١١] أي: هؤلاء الكفرة الذين كذبوا بيوم البعث والنشور أعد الله لهم وهيأ لهم ناراً مسعرة ملتهبة تحرق من بعد مائة عام أو أكثر.
وزاد الله فوصف هذه النار المتسعرة الملتهبة بقوله: ﴿إِذَا رَأَتْهُم﴾ [الفرقان: ١٢] أي: جهنم، ﴿مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا﴾ [الفرقان: ١٢] أي: من بعد مائة عام وأكثر كما قال المفسرون.
فعندما يقربون إليها تراهم زبانيتها، وهم الملائكة المكلفون بعذاب أهل النار ممن شاء الله عذابه ونقمته.
وقد ورد في مسند أحمد عن أبي أمامة رضي الله عنه أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (من انتسب لغير والديه، أو انتسب لغير مواليه، أو كذب على الله، أو افترى على نبي الله -صلى الله عليه وسلم- فليتبوأ مقعداً في النار ذات العينين، قالوا: يا رسول الله! وللنار عينان؟ قال: نعم).
فالذي خلق العينين للإنسان وجعل البشرة والحواس كلها تتكلم وتشهد على المذنب بفعل الشر، وتشهد للصالح بفعل الخير، هو قادر على أن يخلق عينين للنار كذلك.
فعندما تراهم النار من بعيد يسمعون لها قبل الوصول إليها بمائة عام تغيظاً وزفيراً، وما تغيظها إلا صوت ما فيها من نار ووقود، فإن النار عندما نشعل بها حطباً في بدايتها نسمع لها زفيراً، ومعناه: أن النار تلتهب التهاباً وتشتعل اشتعالاً، حتى يأكل بعضها بعضاً إن لم تجد الوقود، قال تعالى: ﴿وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ﴾ [البقرة: ٢٤].
قوله: ﴿سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا﴾ [الفرقان: ١٢] أي سمعوا لهبها وصوت نارها وحريقها، وسمعوا شوقها لهم لتعذبهم جزاءً وفاقاً لكفرهم بالله، وطعنهم في أنبياء الله.
قال تعالى: ﴿وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَانًا ضَيِّقًا مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورًا﴾ [الفرقان: ١٣] أي: وإذا ألقوا في ركن منها ضيق، ووصفوا المكان الذي يدخله المعذب ككوة، فيدخل وعظامه تكاد تتكسر من الضيق الذي يدخل فيه، فمن شدة المحنة يدخل المكان الضيق حتى يسمع لعظامه صوت.
قوله: ﴿مُقَرَّنِينَ﴾ [الفرقان: ١٣] أي: مصفدين مكتفين، فالأيدي إلى الأعناق والأرجل مع الأيدي، مقرنين بالشياطين، فيد من الشيطان ويد من الإنسان الذي اتخذ الشيطان إلهاً واتبع هواه.
قوله: ﴿دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورًا﴾ [الفرقان: ١٣] أي: صاحوا: يا ويلهم! ويا هلاكهم! والثبور: الهلاك وجميع أنواع الفساد والبلاء من كفر وغيظ وويل ومحنة وهلاك، كمن يصيح في حياته يقول: يا ويلاه! يا مصيبتاه! يا غوثاه! لمن يغيثه.
فأخذوا يدعون ثبوراً، أي: يا هلاكهم! يا فسادهم! يا خسرانهم! هكذا يدعون على أنفسهم، فتقول لهم ملائكة النار: ﴿لا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُورًا وَاحِدًا وَادْعُوا ثُبُورًا كَثِيرًا﴾ [الفرقان: ١٤] أي: لا نجاة ولا خروج من النار، فيستمرون في الدعاء يا ويلهم! يا هلاكهم! يا خسارهم! يا مصيبتهم! إلى أن يسمعوا صوتاً: اخسئوا، فيسكتون إذ ذاك، ولا سبيل إلى الكلام والنطق، ولا أمل هناك في خروجهم.