تفسير قوله تعالى: (فلما بلغا مجمع بينهما)
قال تعالى: ﴿فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا﴾ [الكهف: ٦١] أي: بلغا مجمع البحرين ﴿نَسِيَا حُوتَهُمَا فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا﴾ [الكهف: ٦١] الناسي في الحقيقة هو يوشع، وهو الذي بيده مكتل الطعام والزاد، وعندما يقال: أخذوا الزاد، لا يكون الزاد إلا في يد واحد، ولكن ينسب إلى الكل حمل الزاد، فينسب العمل إلى الجماعة أو الرفقة.
كذلك نسبة النسيان ستمسهما، بل ستضر موسى الذي هو صاحب القصة والشأن.
(فاتخذ سبيله) أي: الحوت خرج من المكتل واتخذ طريقه (في البحر سرباً)، السرب: الكوة والطاق، كما نقول الآن: النفق.
فقد وصل إلى مكان فيه عين الحياة، ولعل الماء فوار، فمس الحوت من هذا الماء الفوار قطرات فإذا به يعيش ويحيا، قالوا: ومن الغريب أن موسى قد أكل منه، وليس هذا في الآية، ولابد أن يكون الشأن كذلك، لأنه لم ينقطع عن الأكل من سيناء إلى أن بلغ مجمع البحرين، ومشيه إما على دابة أو على رجليه، وذلك سيحتاج إلى فترة طويلة.
قوله تعالى: ﴿نَسِيَا حُوتَهُمَا فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا﴾ [الكهف: ٦١] أي: قفز الحوت بعد أن رش بماء الحياة بالصدفة فاتخذ سبيله في البحر سرباً، وصار هناك نفق في الماء الذي مسه واتصل به فأصبح مجوفاً بحيث أخذ يجر وينسحب وينزلق، والماء مع ذلك مفترق، فيصبح فيه كأنه الصخرة داخل الماء.
فبقي الحوت محصوراً إلى أن يعود موسى، ﴿فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا﴾ [الكهف: ٦١] اتخذ طريقاً ونفقاً ونافذةً في داخل الماء.