تفسير قوله تعالى: (وقال الذين لا يرجون لقاءنا)
قال الله جلت قدرته: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ أَوْ نَرَى رَبَّنَا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيرًا * يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ لا بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَحْجُورًا﴾ [الفرقان: ٢١ - ٢٢].
يقول الله جل جلاله عن هؤلاء الكفرة الذين لا يؤمنون بيوم البعث والنشور، ولا يخافون قدومهم على الله ولقاءهم له يوم العرض عليه، إنهم قالوا: ﴿لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ أَوْ نَرَى رَبَّنَا﴾ [الفرقان: ٢١].
أي: قالوا لنبيهم: لم لا يرسل إلينا معك -إن كنت رسولاً حقاً- ملائكة من السماء يظهرون لنا ويبرزون ويصدقون نبوتك ورسالتك، ويشهدون لك بأنك الرسول حقاً.
وإذا لم تأت الملائكة ولم تنزل علينا فليأت ربك بنفسه وليشهد لك بالصدق؛ لنصدقك ولنؤمن بك.
فهؤلاء الذين كفروا وازدادوا كفراً طلبوا مطالب من لا يعلم من ربه، ولا يعلم صدق نبيه بكثرة ما أنزل معه من معجزات ومن آيات بينات، وأخذوا يتعنتون ويطلبون شيئاً لا يقصدون به معرفة حق، ولا إظهار معجزة، وإنما يريدون التعنت على نبيهم، والإصرار على كفرهم، فقال الله عن هؤلاء: ﴿لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنفُسِهِمْ﴾ [الفرقان: ٢١] أي: لقد تعاظموا وتكبروا وطلبوا ما لا يليق بهم وهم أحقر من أن يخطر ببالهم فضلاً عن أن يطلبوه.
﴿وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيرًا﴾ [الفرقان: ٢١] العتو: هو شدة الظلم والكفر والطغيان، فقد طغى هؤلاء واعتدوا وظلموا وقالوا كفراً وزوراً، وأتوا بما لم يأت به مؤمن.
ثم قال الله لهم: ﴿يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ لا بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ﴾ [الفرقان: ٢٢] أي: يوم يرون الملائكة -وهم سيرونهم- لا تكون رؤيتهم لهم بشرى لهم، بل يكون خزياً ودماراً وخراباً.
والوقت الذي يمكن أن ترى فيه الملائكة هو ساعة الاحتضار وخروج الروح، وإذ ذاك لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً.
فمن احتضر وهو كافر ونزعت منه الروح فسيرى ملائكة العذاب يبشرونه بالويل والثبور واللعنة والغضب، لا يبشرونه بخير ولا بجنة، ثم يرون يوم القيامة ملائكة العذاب الذين يسوقونهم إلى النار وإلى اللعنة والدمار والخزي.
وأيضاً يرون الملائكة في القبر حين يسألونهم عما صنعوه في حياتهم، فيسألونهم: من ربكم؟ ومن نبيكم؟ وما دينكم؟ ولشركهم فإنهم يجيبون جواب الكافرين الذين لم يؤمنوا يوماً برب ولا نبي، ولم يدينوا يوماً بدين حق قط، فهؤلاء ستكون رؤيتهم للملائكة رؤية ذل وهوان وبشرى بالخزي والدمار والعذاب.
﴿وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَحْجُورًا﴾ [الفرقان: ٢٢] أي: يقول لهم الملائكة: حراماً محرماً أن تدخلوا الجنة قط، أو ترحموا قط، فقد حجرت الجنة عليكم، وأمسكت أبوابها عن دخولكم؛ جزاءً وفاقاً لشرككم ولكفركم.
والحجر: المنع، ومنه سمي حجر إسماعيل، أي: منع من أن يطوف الطائفون داخله وإنما يطوفون خارجه، ومنه قولهم: حجر القاضي على الصبي لسفهه، وعلى المفلس لعجزه عن أداء الديون والحقوق، فحجر ماله؛ لتؤدى الحقوق.
ومنه: الحجر على السفيه الغني الذي يبذل ويصرف ماله في الباطل، ويحرم منه أهله وأولاده، ويصرفه في ما لا يليق بالإنسان أن يصرفه فيه، ويترك أهله وأولاده عالة على الناس، ويصرف ذلك في الليالي الحمراء وفي الفسق والجريمة والعصيان.
﴿وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَحْجُورًا﴾ [الفرقان: ٢٢] أي: يوم يرى هؤلاء الملائكة يبشرونهم بالويل وبالثبور وبالنار وبالدمار ويقولون: لهم حجراً محجوراً، أي: حراماً محرماً عليكم دخول الجنة، ورحمة الله ورضوانه؛ لكفركم وشرككم إلى أن متم على ذلك.