تفسير قوله تعالى: (وقال الرسول يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجوراً)
قال تعالى: ﴿وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا﴾ [الفرقان: ٣٠].
يتأسف عليهم ﷺ الذي كان في الحياة الدنيا حريصاً على إيمانهم، وعزيزاً عليه ألا يؤمنوا، وشديداً عليه أن يكفروا، فهو مع كل هذا والدنيا قد انتهت وأصبح الناس واقفين بين يدي الله للحساب وللقضاء يقول الرسول محمد صلى الله عليه وسلم: ﴿وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا﴾ [الفرقان: ٣٠] أي: أمتي.
وهي من أرسل إليهم، وهم الجن والإنس، والأبيض والأحمر والأصفر، وكل عجمي وعربي، ومن في المشارق والمغارب والشمال والجنوب، وسكان المعمورة منذ برز ﷺ وهو يقول: إني بشير ونذير، وإنما أرسلت رحمة، وكنت رحمة مهداة، كما قال تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾ [الأنبياء: ١٠٧].
ومنذ ذلك الوقت وإلى يوم البعث والنشور فكل هؤلاء قومه وأمته، فمن استجاب فهو من أمة الإجابة، ومن تمرد فهو من أمة الكفر والعصيان والتخلف.
قال تعالى: ﴿وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا﴾ [الفرقان: ٣٠]، فهم هجروه فلم يحكموا به، فهجروا أحكامه وحكموا بأحكام اليهود والنصارى، وهجروه فلم يدرسوه، ولا يدرس اليوم في جامعات الدنيا إلا الكلام والحرف والصنائع وما إلى ذلك، وأما كتاب الله وما فيه من علوم علوية وسفلية، من معارف فيها خبر من قبلنا ونبأ من بعدنا وحاضر ما بيننا كل هذا قد ترك، وحتى إن درس في كليات فقد أبعدوه عن الحياة العامة، وعندما أبعدوا الإسلام أبعدوا كذلك علماءه وحفاظه، وأبعدوا علماء القرآن والسنة، وعلماء الإسلام وهجروهم بهجرانهم لله ولكتاب الله ولسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ومن فعل هذا فسيكون جزاؤه ما قص الله علينا من هؤلاء، يوم يعض الظالم على يديه وهو يبكي ويصيح ويقول: ﴿يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا﴾ [الفرقان: ٢٧]، وينادي بالويل والثبور ويقول: ﴿يَا وَيْلَتَا لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلانًا خَلِيلًا * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلإِنسَانِ خَذُولًا﴾ [الفرقان: ٢٨ - ٢٩].
وسيقول هذا يوم لا ينفعه هذا القول ولا هذا الاعتراف، وهو يسمع الآن ماذا يقول في كتابه، ويسمع النبي ما يقول في سنته صلى الله عليه وسلم، وإذا به يصعر الخد ويعرض عن ذلك ويصد ويقول: قراءته انتهت، ودراسته رجعية.
وهكذا ليزداد اليهود طغياناً على المسلمين، ودوساً بأقدامهم على كراماتهم.
وما يجري اليوم هو عقوبة إلهية للمسلمين لما طالبوا بـ ماركس أن يكون لهم إماماً ونبياً، وهو يهودي قذر، ابن حاخام أقذر وألعن، وأصبحت تسمع بعض المسلمين يقولون: أنا مسلم ماركسي، أنا اشتراكي إسلامي، وهكذا يعلن خزيته ولعنته على لسانه قبل لسان غيره، فمتى كان اليهودي مسلماً؟! ومتى كان المسلم يهودياً؟! ويقول آخرون بعد ذلك: لم سلط الله علينا اليهود؟ ولم سلط علينا الشيوعية؟ سلطهم علينا لموقفنا هذا الذليل، ولبعدنا عن الله وكفرنا وإشراكنا به وإعراضنا عن كتابه.
وهكذا يتحسر نبينا عليه الصلاة والسلام على أمته مؤمنها وكافرها يوم القيامة، ويجأر ويضرع بصوته ويقول: ﴿وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا﴾ [الفرقان: ٣٠]، فقد هجروه حكماً ودراسة وتعليماً وتلاوة وتبياناً، وهجروه في كل شيء يتعلق به قولاً وعملاً، فكان ما نرى.
وقد ذل المسلمون بهجرانهم لكتاب الله الذي أعزهم ورفع شأنهم وجعلهم سادة الأرض لمدة ألف عام، وصبر الله عليهم كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: (لا أحد أصبر على الأذى من الله)، فقد كفروا به ورزقهم، وقالوا عنه وأعطاهم العينين والشفتين والصحة والشباب والقوة والمال، وهم لا يزدادون بذلك إلا كفراً، كما يقول الملائكة وعيسى والعزير والصالحون لربهم يوم القيامة عندما يسألهم عن ضلال من ضل وأشرك بهم فيقولون: ﴿وَلَكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآبَاءَهُمْ حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ﴾ [الفرقان: ١٨]، فقد متع الله هؤلاء بالحياة وبالأرزاق وبطول الأعمار حتى نسوا ذكر ربهم ودينه.
وهكذا أمهلهم الله ورزقهم وما زادهم ذلك إلا عتواً وفساداً في الأرض، ولكن الله جل جلاله يمهل ولا يهمل، فإذا أخذ الظالم أخذه أخذ عزيز مقتدر ولن يفلته.