تفسير قوله تعالى: (ولقد آتينا موسى الكتاب وجعلنا معه أخاه هارون وزيراً)
قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَا مَعَهُ أَخَاهُ هَارُونَ وَزِيرًا * فَقُلْنَا اذْهَبَا إِلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَدَمَّرْنَاهُمْ تَدْمِيرًا﴾ [الفرقان: ٣٥ - ٣٦].
قد بينا وفصلنا في غير ما سورة من السور قصة موسى وهارون مع فرعون وبني إسرائيل، وقصة نوح مع قومه، وقصة هود مع عاد، وقصة صالح مع ثمود، وقصة لوط مع قومه.
فالله كرر هذا إشارة وتلويحاً مختصراً؛ ليهدد وينذر هؤلاء الكافرين بمثل العذاب الذي لقيه أولئك الكفار الجاحدون، ألم يأخذوا منهم عبرة وآية ودرساً؟ ألا يزالون مصرين على كفرهم وقد سمعوا ما جاء به الكتاب وبينه رسول الله ﷺ فيمن فعل فعلهم من الأمم السابقة كيف لعنوا ودمروا وانتهوا، ولعذاب الآخرة أشد وأنكى؟! فقال: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ﴾ [الفرقان: ٣٥] وهو التوراة.
﴿وَجَعَلْنَا مَعَهُ أَخَاهُ هَارُونَ وَزِيرًا﴾ [الفرقان: ٣٥] أي: جعل موسى نبياً وعززه وأيده بأخيه هارون، فكان نبياً له مؤيداً ومؤزراً ومعيناً، والوزير: المعين والمساند والمؤيد.
فقد طلب موسى من ربه أن يرسل معه أخاه هارون، فاستجاب الله له فأرسلهما معاً إلى فرعون وهامان وقارون، وإلى القبط وبني إسرائيل.
فجعله الله نبياً ووزيراً، مساعداً ومؤيداً ومعضداً ومسانداً، فكان كلاهما نبياً رسولاً، وكلاهما ذهب إلى هؤلاء فدعواهما إلى الله، وأتيا عن الله بالآيات البينات التي أعجزتهم، والتي ما زادتهم مع ذلك إلا الكفر والإصرار على الكفر.
ونبينا عليه الصلاة والسلام يدعو قومه إلى الله وإذا بهم يقفون في وجهه كما وقف الكفار في وجوه الأنبياء السابقين.
فقال تعالى لموسى وهارون معاً: ﴿فَقُلْنَا اذْهَبَا إِلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَدَمَّرْنَاهُمْ تَدْمِيرًا﴾ [الفرقان: ٣٦]، فذهب موسى وهارون إلى فرعون فقالا: إنا رسولا ربك.
وذهبا إلى قارون وهو من بني إسرائيل، وقد كانت خزائن ملكه وأمواله تعجز عنها العصبة أولوا القوة، كانوا يعجزون عن حمل تلك المفاتيح لكثرة ما تمول، ولكثرة ما استغنى، حتى أصبح يضرب به المثل بالغني فيقال عنه: مال قارون.
أي: أنه رجل يملك من المال الكثير.
فدعوا بني إسرائيل فكذب من كذب وآمن من آمن، وأما القبط فقد كذبوا جميعاً إلا من رحم ربك، ولا يكاد يذكرون إلا على الأصابع.
وبنو إسرائيل قد كانوا آمنوا أولاً، ثم ضل منهم من ضل عندما صنع لهم السامري عجلاً له خوار، وصنعه من الذهب وقال لقومه وقد ذهب موسى لميعاد ربه في الطور: ﴿هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ﴾ [طه: ٨٨].
فدعاهم إلى الوثنية من جديد بعد أن أراهم موسى العز والحرية ورفع شأنهم، فأزال عبودية قارون وهامان وفرعون عنهم، ولكن بني إسرائيل هم بنو إسرائيل في القديم والحديث.
فعذب الله الأقباط بأن أغرقهم، وعذب بني إسرائيل بالتيه في الصحراء أربعين عاماً، ومن أراد منهم التوبة فلن تقبل منه حتى قتل بعضهم بعضاً؛ وذلك لأنهما أمراهم بالتوحيد، وبالطاعة، وبعبادة الله الواحد، والكفر بالأصنام والأوثان جميعاً، وإذا بهم يكذبونهما، ولم يؤمنوا بآية ولا بمعجزة، فكانت النتيجة بالنسبة للأقباط أن أغرقهم الله ودمرهم تدميراً.
قال تعالى: ﴿فَقُلْنَا اذْهَبَا إِلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَدَمَّرْنَاهُمْ تَدْمِيرًا﴾ [الفرقان: ٣٦]، فدمرهم الله وأهلكهم وسحقهم، وأنهى وجودهم كأنهم لم يكونوا، وأصبحوا ورقة معلقة وخبراً وقصصاً في الكتب، فذهبت الأرواح والأولاد والبلاد والأملاك، وأصبحوا وكأن لم يكونوا في أمس الدابر.
والطوائف الكافرة من بني إسرائيل كذلك دمرهم الله تدميراً، وأهلكهم حتى أصبحوا عبرة للمعتبر، وأصبحوا يذكرون لمن يأتي بعدهم ويكفر كفرهم، فيهددون وينذرون بعاقبة كعاقبة الأقباط وبني إسرائيل.
ونبينا عليه الصلاة والسلام يدعو الناس للإيمان به، فمن كذبه كان جزاؤه في الدنيا عذاب الله وخزيه.