تفسير قوله تعالى: (فقلنا اذهبا إلى القوم)
فقال تعالى لموسى وهارون معاً: ﴿فَقُلْنَا اذْهَبَا إِلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَدَمَّرْنَاهُمْ تَدْمِيرًا﴾ [الفرقان: ٣٦] فذهب موسى وهارون إلى فرعون فقالا: إنا رسولا ربك.
وذهبا إلى قارون وهو من بني إسرائيل، ممن كانت خزائن ملكه وأمواله تعجز عنها العصبة أولوا القوة، كانوا يعجزون عن حمل تلك المفاتيح لكثرة ما تمول، ولكثرة ما استغنى، حتى أصبح يضرب به المثل بالغني فيقال عنه: مال قارون.
أي: أنه رجل يملك من المال الكثير.
ودعوا بني إسرائيل فكذب من كذب وآمن من آمن، أما القبط فقد كذبوا جميعاً إلا من رحم ربك ولا يكاد يذكرون إلا على الأصابع.
وبنو إسرائيل قد كانوا آمنوا أولاً، ثم ضل منهم من ضل، عندما صنع لهم السامري عجلاً له خواراً، وصنعه من الذهب وقال لقومه وقد ذهب موسى لميعاد ربه في الطور: ﴿هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ﴾ [طه: ٨٨].
فدعاهم إلى الوثنية من جديد بعد أن أراهم موسى العز والحرية ورفع شأنهم، فأزال عبودية قارون وهامان وفرعون عنهم، ولكن بني إسرائيل هم بنو إسرائيل في القديم والحديث.
فعذب الله الأقباط بأن أغرقهم، وعذب بني إسرائيل بالتيه في الصحراء أربعين عاماً، ومن أراد منهم التوبة فلن تقبل منه حتى قتل بعضهم بعضاً.
وذلك لأنهما أمراهم بالتوحيد، وبالطاعة، وبعبادة الله الواحد والكفر بالأصنام والأوثان جميعاً، وإذا بهم كذبوهما، ولم يؤمنوا بآية ولا بمعجزة فكانت النتيجة بالنسبة للأقباط أن أغرقهم الله ودمرهم تدميراً.
قال تعالى: ﴿فَقُلْنَا اذْهَبَا إِلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَدَمَّرْنَاهُمْ تَدْمِيرًا﴾ [الفرقان: ٣٦] فدمرهم الله وأهلكهم، وسحقهم، وأنهى وجودهم كأنهم لم يكونوا، وأصبحوا ورقة معلقة وخبراً وقصصاً في الكتب، ذهبت الأرواح والأولاد، والبلاد، والأملاك، وأصبحوا وكأن لم يكونوا في أمس الدابر.
والطوائف الكافرة من بني إسرائيل كذلك دمرهم الله تدميراً، وأهلكهم حتى أصبحوا عبرة للمعتبر، وأصبحوا يذكرون لمن يأتي بعدهم ويكفر كفرهم، فيهددون وينذرون بعاقبة كعاقبة الأقباط وبني إسرائيل.
ونبينا عليه الصلاة والسلام يدعو الناس للإيمان به، فمن كذبه كان جزاؤه في الدنيا عذاب الله وخزيه.


الصفحة التالية
Icon