تفسير قوله تعالى: (وإذا رأوك إن يتخذونك إلا هزواً)
قال تعالى: ﴿وَإِذَا رَأَوْكَ إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولًا﴾ [الفرقان: ٤١].
أي: يا محمد! إذا رآك قومك وكل من جاء بعدك وعاصرك وإن لم يرك، فإنهم يهزئون بك ويشتمونك، ويقولون فيك الأقاويل كما قص الله علينا في هذه السورة.
فكان الكفار من نوع أبي لهب وأبي جهل وأمثالهما من قومه إذا رأوه يهزئون به ويسخرون منه ويقولون: أهذا الذي بعث الله رسولاً؟! ولم لا؟ وقد كان أجمل الرجال، وأعلم الرجال، وأبهى الرجال، وأصدق الرجال، وقد كان الناس إذا رأوه لا يستطيعون أن يحدوا البصر إليه.
ولكن لصعود الران على قلوبهم لم يروا كل هذا، وإلا فلماذا يستهزئون برسول الله عليه الصلاة والسلام وهو فارسهم، وأجودهم وخطيبهم، والمبلغ عن ربه لهم، وقد كانوا في الأربعين السنة التي عاشها معهم قبل الوحي والنبوءة ما يذكرونه إلا بالتقدير وبالإجلال وبالاحترام، ولم ينادوه باسمه محمد وإنما يقولون: الصادق الأمين.
فيصفونه بالأمانة وبالصدق، ولكن هؤلاء عندما ران الكفر على قلوبهم وأصبحوا أتباعاً للشيطان انقلبت هذه الصور التي كانت عندهم في أيام الجاهلية، وأصبحوا يهزئون به، ويسخرون منه، ويتغامزون فيما بينهم ويشيرون إليه ويقولون: ﴿أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولًا﴾ [الفرقان: ٤١].
وهذا لعنتهم وخزيهم وشديد كفرهم ومزيد إصرارهم على هذا البلاء، وقد قال الله لنبيه: ﴿إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ﴾ [الحجر: ٩٥] وقد كفى الله نبيه هؤلاء المستهزئين.
يقول ابن تيمية: من خصائص النبوءة المحمدية أنه ما استهزأ به أحد في حياته أو بعد حياته إلا وختم الله عليه بسوء الخاتمة، فمات على الكفر والشرك.
وقص قصصاً للأولين، وقصصاً للمعاصرين.
وما رأينا كافراً ومنافقاً لعيناً يذكر النبي ﷺ بما يؤدي إلى الاستهزاء والسخرية إلا ولعنه الله في الدنيا فدمره وأذله، وخرب قلبه، فأصيب بتشويه الوجه وبالإفلاس وبالذل والهوان، وأصبح القرد أجمل منه وأبهى منه، فيصير أخس من قرد وأذل من خنزير، ويموت على الكفر، وينطق في سكرات الموت بكلمات الكفر، ويعلن: بيا ويلاه! ويا ثبوره! ويا هلاكه!


الصفحة التالية
Icon