تفسير قوله تعالى: (إن كاد ليضلنا عن آلهتنا)
قال الله تعالى: ﴿إِنْ كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنْ آلِهَتِنَا لَوْلا أَنْ صَبَرْنَا عَلَيْهَا وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ الْعَذَابَ مَنْ أَضَلُّ سَبِيلًا﴾ [الفرقان: ٤٢].
فالكفار يسرون ويفرحون لأنهم لم يؤمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم، ولم يتركوا عبادة الأصنام والأوثان، فيستهزئون ويقولون: ﴿إِنْ كَادَ لَيُضِلُّنَا﴾ [الفرقان: ٤٢] أي: لقد كاد، وكاد من أفعال المقاربة أي: قرب أن يردنا إلى الإسلام، وهكذا يزعمون، فيسمون الهداية ضلالاً.
وقوله: ﴿إِنْ كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنْ آلِهَتِنَا لَوْلا أَنْ صَبَرْنَا﴾ [الفرقان: ٤٢] أي: كادوا أن يهتدوا وكادوا أن يصبحوا مسلمين، ولكن أحد شياطينهم فيمن سيقولون عنه يوم القيامة وهم ينادون: ﴿يَا وَيْلَتَا لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلانًا خَلِيلًا﴾ [الفرقان: ٢٨].
فهذا الذي اتخذوه خليلاً بعد أن كادوا أن يسلموا ويؤمنوا ردعهم، وأبعدهم فلم يسلموا ولم يؤمنوا، وهم في الدنيا لا يزالون يفرحون بذلك، ومتى سيعرفون الحق وقد ابتعدوا عنه كل هذا البعد، وهانوا كل هذا الهوان! قال تعالى: ﴿وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ الْعَذَابَ﴾ [الفرقان: ٤٢] والتسويف بالسين للقريب، وبسوف للبعيد، أي: بعد الموت.
وسوف يرون، أي: سيرون قريباً عندما يرون العذاب، وسيرون العذاب عند الاحتضار، وعند سؤال القبر، وسيرون العذاب الخالد يوم القيامة يوم العرض على الله، وإذ ذاك سيعلمون ويندمون وهيهات، ولات حين مندم، ولا ينفعهم علم ولا معرفة عند ذاك وسيدركون من هو أضل سبيلاً.
و (أضل) هنا أيضاً ليست على بابها، وليس فيها المشاركة وزيادة، أي: سيدركون أنهم الضالون المشركون المجرمون الأعداء الكفرة الفجرة، وأن النبي هو الحق، فقد آتاه الله الحق، ورزقه بالحق، ودعا للحق، وما كان الباطل إلا منهم، فقد دعوا بالباطل وحاربوا الحق إلى أن ماتوا على الباطل، وبعثوا مع أهل الباطل في جهنم مع المبطلين والمشركين والكافرين.
﴿وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ الْعَذَابَ مَنْ أَضَلُّ سَبِيلًا﴾ [الفرقان: ٤٢] أي: سيعلمون عند ذلك من طريقه وسبيله أكثر ضلالاً وفساداً وظلمة وضياعاً، فهم الضالون المفسدون وحدهم، وهم الذين اتبعوا السبيل الفاسد الجائر الموصل للكفر وللشرك وللظلم وللضلال.