تفسير قوله تعالى: (ولو شئنا لبعثنا في كل قرية نذيراً)
قال تعالى: ﴿وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيرًا﴾ [الفرقان: ٥١].
أي: لو شئنا أن نخفف عنك ثقل الرسالة والمهمة والنبوة فنرسل لكل قرية وكل مدينة وكل قطر رسولاً يتولى شئونهم ودعوتهم وهدايتهم لفعلنا، ولكنا أردنا تشريفك، وأردنا تخصيصك وتكليفك بكل المدن والقرى، وبكل الأقاليم، وبجميع العالم شرقه وغربه، وشماله وجنوبه، وعربيه وعجميه، فذلك تشريف لك لتقوم بالمهمة مختصاً بها دون غيرك.
وفي الصحيح (بُعثت إلى الأحمر والأسود)، وقال عليه الصلاة والسلام: (وكان الأنبياء يبعثون إلى أقوامهم، وبُعثت إلى الناس كافة)، وقال الله له: ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا﴾ [الأعراف: ١٥٨]، وقال له: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾ [الأنبياء: ١٠٧].
فكان جميع الأنبياء السابقين يرسلون إلى عشائرهم وإلى أقومهم، وأما محمد عليه الصلاة والسلام فقد كان رسولاً إلى الإنس والجن منذ أن بُعث إلى قيام الساعة، ولذلك يقول الله له: ﴿وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيرًا﴾ [الفرقان: ٥١] والنذير: المنذر، أي: الرسول والنبي الذي ينذر قومه، فيخوفهم من أن يكفروا، ويخوفهم من أن يجحدوا، ويخوفهم من أن يعصوا ربهم ونبيهم، ويدعوهم إلى الإيمان بالله وحده، فهو نذير بذلك ومخوّف لهم بين يدي عذاب شديد، ويبشّر المطيع المؤمن بالرضا والجنة، ويبشّره برضوان الله.


الصفحة التالية
Icon