تفسير قوله تعالى: (وهو الذي مرج البحرين هذا عذب فرات وهذا ملح أجاج)
قال تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ﴾ [الفرقان: ٥٣].
من عجيب قدرة ربنا خلق الماء في الأرض، ثم جعل من الماء ماءاً عذباً فراتاً، أي: ماءاً حلواً عذباً، وماءاً آخر ملحاً لا يُشرب، ولا تستطيع أن تغسل به بدنك، وإلا أصبح بدنك كله كما لو ذر عليه شيء من الملح.
ومع ذلك أرسل تعالى المياه العذبة آباراً وأنهراً جارية وأمطاراً وغيثاً، كما أرسل مياه البحر، فلا المياه البحرية اختلطت بالمياه الحلوة العذبة، ولا المياه العذبة الحلوة اختلطت بالمياه الملحة.
يقول تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ﴾ [الفرقان: ٥٣] والمرج يتضح معناه في قولنا: قد أرسل فلان دوابه في المرج، أي: أعطاها ساحة كبيرة تسرح فيها وترعى، وترك لها الحرية في الرعي، فهي ترعى هنا وهناك، وهكذا أطلق الله تعالى المياه وأرسلها في الأرض، ومرجها في الأرض، فبعضها داخل التراب، وهو المياه الجوفية، وبعضها على سطح الأرض، والأرض يتصل بعضها ببعض، فلا هذه فسدت وأصبحت ملحة، ولا تلك زال عنها ملحها بهذا الاختلاط والمرج، فذاك من قدر الله وإرادة الله التي انفرد بها جل جلاله وعز مقامه.


الصفحة التالية
Icon