تفسير قوله تعالى: (لأعذبنه عذاباً شديداً أو لأذبحنه)
ولما لم يجب الهدهد بحضوره علم سليمان أن الهدهد غائب ليس بحاضر، فأخذ ينذر ويتوعد ويقول: ﴿لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ﴾ [النمل: ٢١].
تهدد هذا الهدهد لغيبته بأنه سيعذبه، وأقسم على ذلك، ودليل القسم اللام الموطئة للقسم مع نون التوكيد الثقيلة ﴿لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ﴾ [النمل: ٢١] أي: أشد الذبح وآلمه ((أَوْ لَيَأْتِيَنِي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ)) أو يأتي بدليل يدل على أن غيابه كان لمصلحة الجيش ولمصلحة سليمان.
قالوا: والعذاب الذي تهدده به هو أن ينتف ريشه ويتركه للنمل حتى يموت، وقيل غير ذلك، وعلى كل فهو عذاب يليق بالهدهد.
وذبحه أن يفقده الحياة، والهدهد لا يُذبح، فقد روينا عن أبي هريرة رضي الله عنه فيما أخرجه الإمام أحمد في المسند وأبو داود في السنن وابن ماجة في السنن (أن رسول الله ﷺ نهى عن قتل أربع: النملة، والنحلة، والهدهد، والصرد)، والصرد هو ذلك الذي يصيح صيحة مسترسلة متتابعة.
وفي رواية أيضاً (وعن قتل الضفدع)، فلا تقتل الضفادع، ولا يُقتل الصُرد ولا النملة ولا النحلة، نهى ﷺ عن كل ذلك.
فسليمان كان يريد تعذيب الهدهد وقتله عقوبة لغيبته عنه دون إذن مسبق إن كانت غيبته فراراً من المسئولية، وقد أُمر بأن يكون معه لخدمة الجيش في شيء هام جداً، وهو الماء، فلم يكن سليمان يحمل ماءً، وما عسى أن يكفيه من الماء لمئات آلاف من الجن والإنس.