تفسير قوله تعالى: (وجدتها وقومها يسجدون للشمس من دون الله)
فقال: ﴿وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لا يَهْتَدُونَ * أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ﴾ [النمل: ٢٤ - ٢٥].
قوله: ﴿وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ﴾ [النمل: ٢٤] فأتى بهذا الخبر المفجع المثير لسليمان نبي الله الداعي إلى التوحيد، فقال: وجدت هذه المرأة مشركة وثنية تسجد للشمس من دون الله، وتعبد الشمس كما يعبدها قومها، فهي وقومها يعبدون الشمس من دون الله، ويفردون الشمس بالعبادة، ويفردون الشمس بالطاعة، ويفردون الشمس بالتأليه.
قال: ((وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ)) فهؤلاء يظنون أنهم على خير، وأنهم على عمل صالح، فالشيطان وسوس لهم في خواطرهم بعبادتهم للشمس من دون الله، فهم يتيهون بذلك، ويتفاخرون بذلك، وينشرون ذلك ويذيعونه، ويبنون معابد لعبادة الشمس.
قال تعالى: ((وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ)) أي: زيّن لهم الشيطان عبادتهم للشمس ووثنيتهم وكفرهم وجحودهم، فكان بذلك قد صدّهم عن السبيل، أي: عن السبيل المستقيم وعن الحق اليقين، وعن الواحد المعبود الحق جل جلاله.
قوله: ﴿فَهُمْ لا يَهْتَدُونَ * أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ﴾ [النمل: ٢٤ - ٢٥] فهؤلاء لا يهتدون فلا يجدون الهداية، ولا يجدون النور، ولا يجدون المعرفة ليتركوا عبادة الشمس وعبادة الوثن وعبادة الصنم وعبادة المخلوق من دون الله.
﴿فَهُمْ لا يَهْتَدُونَ * أَلَّا يَسْجُدُوا﴾ [النمل: ٢٤ - ٢٥] أي: كي لا يسجدوا لله، فصدّهم لكي لا يسجدوا لله ولكي لا يوحدوه، وذكروا هنا تلاوة، وهي: ((أَلَّا يَا سْجُدُوا)) فجعلوا (يا) ياء النداء، والمنادى محذوف، و (اسجدوا) فعل أمر، وهذا تكلُّف، وقدّروا القول: ﴿فَهُمْ لا يَهْتَدُونَ﴾ [النمل: ٢٤]، ((أَلَّا)) يا هؤلاء اسجدوا لله، فيا هؤلاء، أو: يا قومنا، أو: يا سُكان مأرب، أو: يا أهل سبأ! ما الذي صدّكم عن عبادة الله؟ ألا فاسجدوا لله.
ولا حاجة لهذا الكلف في التلاوة، والتلاوة لا تكون إلا بما ورد تواتراً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليست هذه التلاوة كذلك.
والمعنى: فزيّن لهم الشيطان أعمالهم فصدّوا بذلك عن الطريق الحق ودفعوا عنه وأبعدوا عنه كي لا يهتدوا إلى عبادة الله والسجود لله.
قال تعالى: ((الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ)) أي: الذي يُخرج الغائب غير المنظور في السماء الذي لا يعلمه إلا هو جل جلاله، وكذلك ما غاب في الأرض من أعمال العباد، ومن كل ما اختبأ واختفى عن أعين الناس مما لا يعمله إلا الله، فلا يعلم الغيب في السماء والأرض إلا الله ﴿عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا * إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ﴾ [الجن: ٢٦ - ٢٧].
قال تعالى: ﴿الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ﴾ [النمل: ٢٥].
فهو يعلم جل جلاله ما نُخفي في أنفسنا وما نكتم في ضمائرنا، وما نعلنه كذلك قولاً وعملاً وكتابة وإشارة، فكل المعلن وكل المخفي لا يعلمه إلا الله.
فقوم سبأ بدلاً من أن يعبدوا الله العالم بكل شيء والمنفرد بعلم الغيب وبما تكنه الضمائر عبدوا خلقاً من خلقه، وهو الشمس، فقد استعظموا كبرها فذهبوا يعبدونها.


الصفحة التالية
Icon