تفسير قوله تعالى: (الله لا إله إلا هو رب العرش العظيم)
ثم قال: ﴿اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ﴾ [النمل: ٢٦].
فهو رب العرش الذي لا يقاس به عرش هذه المرأة، كل هذا من قول الهدهد، وكان الهدهد داعياً، وكان الهدهد جندياً مؤمناً، فقد قام بما لم يكلّف به وهو من جند سليمان، فدعا بما كان يدعو إليه سليمان من عبادة الله وتوحيده، ومكافحة الشرك وأهله، فجاء يكشف حال هؤلاء لنبي الله الملك سليمان.
قال تعالى: ((اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ)) أي: الذي لا ثاني له ولا إله معبود معه بحق، ولكن الله وحده هو المعبود، وهو الخالق والمحيي والمميت.
قال تعالى: ((هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ)) دعك من عرش هذه المرأة، فهو عرش مصنوع ومخلوق، ومهما يكن فهو من مواد أرضية خلقها الله، فأين يكون من عرش الله المحيط بالسماوات والأرض؟! فالكرسي فقط قال لنا عنه نبي الله صلى الله عليه وسلم: (إن السماوات السبع والأرضين السبع بالنسبة له كسبعة دراهم ألقيت في ترس والكرسي بالنسبة للعرش كحلقة ملقاة في أرض فلاة).
فلما قال الهدهد ذلك كان سليمان قد أنصت للهدهد وأعطاه أُذنه وأعطاه سمعه إلى أن وعى عنه كل ما قال من خبر عن هذه المرأة.
وهذه المرأة قيل: هي بلقيس بنت شراحيل، وهي قحطانية من سبأ، وكان أبوها ملكاً من الملوك العظام في أرض اليمن، ولم يخلّف سواها، وزعموا أن أمها جنية، وأن قدميها كانتا أشبه بقدمي الدابة، وهذا زعم لم يؤكده شيء من إجماع الصحابة ولا حديث نبوي، وهو أشبه ما يكون بما يروى في الإسرائيليات عن كعب الأحبار وعن نوف البكالي وعن وهب بن منبه وغيرهم من الذين أسلموا عن يهودية سابقة وحملوا بعض إسرائيلياتهم ورووها وأذاعوها ونقلوها، ودخل الكثير منها في الكتب، وهي مع ذلك مقطوعة الجذور لا سند لها ولا صحة.
فهذه المرأة قيل: اسمها بلقيس، وهي مشهورة في التاريخ به، وذكرها القرآن، وكفاها ذاك شرفاً، وقد كانت على غاية ما يكون من الدهاء والحكم والإتقان في إدارة الدولة وفي تسييرها على كثرة رجالها وكثرة أتباعها.
قالوا: كان لها من الأقيال والأمراء والحكام ما عد بعشرات الآلاف، ولا شك في أن في ذلك مبالغة، ولكنها كانت عظيمة الشأن كبيرة السلطان، ولعل بعض ما كان عندها لم يصل إليه الناس إلى يومنا هذا، كانت إذا أمرت ارتعدت الفرائس منها، وإذا نهت ارتعدت الفرائس منها، وسيقص الله علينا بعض محاورتها لجندها وأقيالها وكبار موظفيها.