تفسير قوله تعالى: (ارجع إليهم فلنأتينهم بجنود لا قبل لهم بها)
﴿ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لا قِبَلَ لَهُمْ بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ﴾ [النمل: ٣٧].
قال الله جل جلاله عن سليمان: ﴿ارْجِعْ إِلَيْهِمْ﴾ [النمل: ٣٧] قال للمرسلين: ارجعوا إليهم، فارجعوا إلى ملكة سبأ وإلى قومها وأقيالها، وإنما جمع الضمير والحديث عن بلقيس لأن شأن الملوك والقادة والرؤساء أن يشركوا معهم مستشاريهم، فيكون عمل الملك وعمل الرئيس بما اتفقوا عليه وتبادلوا الرأي والمشورة فيه، فكان الكلام موجهاً لمن نفذ ولمن خطط وأشار.
قال تعالى: ﴿ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لا قِبَلَ لَهُمْ بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ﴾ [النمل: ٣٧].
انتقل سليمان ليهدد وينذر ويتوعد توعد الملوك، وتوعد الأقوياء، وليهدد تهديد القادة ومن يقدرون على العقاب والبطش.
وقد كان سليمان وداود ملكين نبيين رسولين، فقال سليمان: ارجع إليهم بهديتك، فلا حاجة لي فيها، فليفرحوا هم بها، وليتيهوا بعددها، وأخبرهم أني سأرسل لهم جيشاً لا طاقة لهم به، وسأخرجهم، وأكد ذلك باللام الموطئة للقسم، وبنون التوكيد الثقيلة، أي: لأخرجنهم من بلدتهم، فهددت بنفس ما خافت منه وأنذرت به قومها، حيث قالت: ﴿إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ﴾ [النمل: ٣٤].
فتوعدهم سليمان بجيشه القوي اللجب من الجن والإنس والطير والدواب، قائلاً: إذا لم تأت صاغرة مستسلمة خاضعة لأمري وسلطاني فسآتي بها مقهورة مجبرة ذليلة، وسأرسل لها جنداً لا طاقة لها بهم ولا بمقاومتهم، ولأخرجنها هي وقومها من أرضهم ودولتهم أذلة لا عزة لهم ولا سلطان ولا مال ولا جاه، فلن يأتوا راكبين الخيول المطهمة، ولا الإبل المرفهة، ولكن سيؤتى بهم في السلاسل، حفاة عراة، وهذا معنى قوله: (أذلة وهم صاغرون) أي: في ذل وهوان، لا يليق بالملوك عندما يكونون مالكين أمر أنفسهم.
وكان الرسل إليها هم رسلها إليه بتلك الهدية العظيمة عندها، فأرجعها لها وردها في وجهها، وبعث ينذرها مع هذا الوفد بأنه إن لم تأت سيبعث لها جيشاً يأتي بها وبقومها أذلاء صاغرين.