تفسير قوله تعالى: (قالوا اطيرنا بك وبمن معك)
وإذا بهم يجيبونه جواب الكافرين المعهود منهم قديماً وحديثاً: ﴿قَالُوا اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ قَالَ طَائِرُكُمْ عِنْدَ اللَّهِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ﴾ [النمل: ٤٧].
قوله: (اطيرنا) أي: تطيرنا، أي: تشاءموا بصالح ورسالته وبمن آمنوا به وتركوا عبادة الأوثان والأصنام، وهذا من فساد عقولهم، إذ عندما حدث ما حدث عاقبهم الله بالجدب، فقل الزرع وجاعوا، فأصبح هذا يدافع عن دينه الحق، وذاك يدافع عن باطله، فمن أجل ذلك قالوا: لو لم يكن صالح ولو لم تكن دعوته لكنا في غير خصام ولا نزاع، أي: سيبقون متوحدين بالوثنية، وما أدراهم بذلك؟! فالله يمهل ولا يهمل جل جلاله.
فقال لهم صالح: (طَائِرُكُمْ عِنْدَ اللَّهِ)، والتطير كان من عادة العرب، حيث كانوا إذا أرادوا عملاً يأتون إلى الطير وهي في أعشاشها، فيزجرونها لتطير، فإن طارت يميناً تفاءلوا بخير، وإن طارت شمالاً تشاءموا بشر.
تطيرنا أي: وجدوا طائر الشؤم في صالح وفي رسالته ومن هنا كان ﷺ يقول: (لا طيرة ولا هامة ولا صفر)، فالله فاعل الخير، وهو فاعل كل شيء، فما من خير إلا برحمته، وما من شر إلا بعقابه، فهو خالق الخير وخالق الشر.
وهنا يقول صالح لقومه: (طَائِرُكُمْ عِنْدَ اللَّهِ) أي: الله جل جلاله هو الخالق للخير والخالق للشر، خلق الخير برحمته وجعل الشر عقوبة لأهل الشر، وما من عقوبة إلا بذنب.
قال تعالى: (قَالُوا اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ) تشاءموا بصالح وبمن آمن معه وبمن أسلموا ودعوا إلى الله وتركوا عبادة الأوثان والأصنام، فقال لهم صالح: (طَائِرُكُمْ عِنْدَ اللَّهِ) فهو خالق الخير وخالق الشر، يخلق الخير رحمة بعباده، والشر عقوبة لأهل الشر من الكفرة والمخالفين.
ثم عاد صالح فقال لهم: (بل أنتم قوم تفتنون) أي: بل أنتم -يا هؤلاء- قوم فتنكم الله واختبركم وابتلاكم بالخير والشر، كما قال تعالى: ﴿وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً﴾ [الأنبياء: ٣٥]، فالخير يكون فتنة والشر كذلك، أي: ابتلاء من الله ليرى عبده هل سيصبر على البلاء أم سيكفر؟ وهل سيشكر الله ويحمده على الخير أم سيطغى ويتجبر، فالشر ابتلاء وفتنة، والخير ابتلاء وفتنة والكل من الله جل جلاله.


الصفحة التالية
Icon