تفسير قوله تعالى: (فانظر كيف كان عاقبة مكرهم)
قال تعالى: ﴿فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ﴾ [النمل: ٥١].
لقد جاءوا ليلاً ودخلوا مغارة ليهيئوا عدة سلاحهم وكانوا قريبين من صالح وأهله، وإذا بهذا الكهف الذي دخلوه تسقط عليهم الحجارة منه فأصبحوا هلكى جميعاً.
وكان هذا العذاب بعدما قتل هؤلاء التسعة الرهط الناقة بعد أن طلبوها لتكون معجزة لصالح داعية إلى إيمانهم وإسلامهم، وقد اشترطوا أن تخرج من صخرة، وأن تكون عشراء، أي: في شهرها العاشر من الحمل، فكان الأمر كما طلبوا، فما زادتهم هذه المعجزة التي طلبوا إلا إصراراً على الكفر، وتعالياً وتكبراً على نبي الله صالح وعلى من آمنوا به واتبعوه، فذهبوا فقتلوا الناقة، فأنذرهم صالح ثلاثة أيام ليحل بهم في اليوم الثالث الهلاك والدمار، ولذلك قال هؤلاء الثلاثة بعد قتل الناقة وإنذار صالح لهم خلال ثلاثة أيام: سنستبقه فنقتله في اليوم الأول قبل الوصول إلى اليوم الثالث من الهلاك، فنقتله وأهله جميعاً، فمكروا مكراً، وكان مكر الله وعقوبته أسرع من مكرهم السوء، ومن استعلائهم واستكبارهم في الأرض، فما كادوا يصلون إلى باب منزل صالح حتى استقبلتهم الحجارة من كل جانب، وكان الذي يضربهم بها ملائكة الله، فكانوا يرون الضرب ولا يرون الضارب، وسالت دماؤهم ثم هلكوا، فجاء قومهم صباحاً وقالوا لصالح: أنت الذي قتلتهم.
وعندما أنذرهم ظهر في اليوم الأول خراج أحمر في كل شخص من الكافرين، وفي اليوم الثاني صار أصفر، وفي اليوم الثالث ضربوا حتى أصبحوا كالعهن المنفوش، وأصبحوا كالعصف المأكول، كما وصف الله الذين جاءوا لتدمير الكعبة في السنة التي ولد فيها المصطفى صلى الله عليه وسلم، فرموا بتلك الحجارة فجعلتهم كعصف مأكول.
ففي اليوم الثاني من تلك الأيام الثلاثة جاء جبريل فصاح بهم صيحة فقئت منها مراراتهم، وتمزقت منها أكبادهم، وأصبحوا جاثمين كأن لم يغنوا بالأمس، وأصحبوا كأنهم أعجاز نخل خاوية، فلا ترى لهم من باقية، قال تعالى: ﴿فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ﴾ [النمل: ٥١]، فكانت العاقبة والنهاية لمكرهم وعصيان صالح ومحاولة قتله أن دمرهم الله تدميراً، وأهلكهم إهلاكاً، ومزقهم تمزيقاً، فأصبحوا وكأن لم يكونوا يوماً.