تفسير قوله تعالى: (فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا)
قال تعالى: ﴿فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ﴾ [النمل: ٥٢].
وقد كان هذا في عصر نزول القرآن، حيث بقيت آثار ديارهم، وقد ورد أن النبي ﷺ في غزوة تبوك مر على الحجر، فأخذ الجيش من ماء الحجر وعجنوا به وجعلوه للشرب والسقاية، وعندما علم ذلك ﷺ أمرهم بأن يعلفوا العجين الدواب، وأمرهم بالخروج منها، وكانت آثارهم لا تزال باقية، كما قال الله تعالى: ﴿فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً﴾ [النمل: ٥٢]، (أي): حال كونها خاوية.
أي: انظروا إليها، فالحجر في حدود البلاد المجاورة لكم، فقوله تعالى: (فتلك بيوتهم) إشارة قريبة إلى بيوتهم ومساكنهم وحضارتهم ومنازلهم.
(خاوية): خالية من حركاتهم ومن طغيانهم وجبروتهم.
(بما ظلموا) أي: بسبب ظلمهم، والظلم مدمر، والظلم ظلمات في الدنيا والآخرة.
ومن هنا جاء في الحديث القدسي: (يا عبادي! إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا)، والظلم يدع الديار بلاقع، وكما يدين الفتى يدان، وكما يفعل بغيره يسلط الله عليه من يجازيه بمثل فعله في الدنيا، ولعذاب الله في الآخرة أشد وأنكى.
قال تعالى: (إن في ذلك) أي: في قصة صالح وثمود وعقوبة الله لهم وتدمير الله لظالميهم، وقصة التسعة الرهط من قادتهم وزعمائهم.
(لآية) أي: لعلامة على قدرة الله وعظمة الله وبطش الله بالظالمين الكافرين، ومعنى ذلك أن من يفعل فعلهم ممن عاصروا نبيهم أو أتوا بعد نبيهم من أمته فكذلك يجازون وكذلك يعاقبون وكذلك يدمرون.
قال تعالى: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ﴾ [النمل: ٥٢] أي: يعلمون هذا ويقرءونه، ويطلعون عليه، ويعلمون سير الرسل والأنبياء مع أقوامهم، وكيف كان العقاب وكيف كان الجزاء بهلاكهم وتدميرهم والقضاء عليهم.