تفسير قوله تعالى: (بل ادارك علمهم في الآخرة بل هم في شك منها)
قال تعالى: ﴿بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمُونَ﴾ [النمل: ٦٦].
ادارك علمهم في الآخرة، وهو العلم الذي أضاعوه في الدنيا، ومما يدل أن الآية متعلقة بالمشركين وحدهم قوله تعالى: ﴿وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ * بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ﴾ [النمل: ٢١ - ٦٦]، فهذا العلم كان يجب عليهم أن يعلموه في دار الدنيا، بأن يعلموا بأن هناك بعثاً ونشوراً، وبأن هناك عودة إلى الحياة بعد الموت دائمة للمؤمن والكافر، وما جهلوه في الدنيا سيعلمونه في الآخرة.
يقول تعالى: ﴿بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ﴾ [النمل: ٦٦]، أي: تدارك علمهم وتتابع، واتصل، وأصبحوا يعلمون أن الآخرة حق، بعد أن عاشوا في واقعها، وبعد أن عاشوا فيما كانوا ينكرونه، فأصبح علمهم متداركاً، وأصبح علماً يقينياً، ولكن هذا العلم جاء بعد فوات الأوان، ولن يفيدهم، فلا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً، فهؤلاء آمنوا بعد أن بعثوا، وبعد أن زال التكليف، فأخذوا يتمنون الأماني بأن يعودوا إلى الدنيا مرة أخرى، ولكن هيهات هيهات، فعقارب الساعة لا ترجع إلى الخلف، واليوم الذي يذهب لن يعود.
قال تعالى: ﴿بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا﴾ [النمل: ٦٦] بل هم لا يزالون -وهم في الحياة الدنيا- في شك من الآخرة، فما أبلغتهم به أنبياؤهم، ونزلت به كتب ربهم، ورأوا عليه الأدلة القاطعة لم يزدهم إلا كفوراً وجحوداً وتكذيباً.
قال تعالى: ﴿بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمُونَ﴾ [النمل: ٦٦]، فهم لا يزالون في شأن الآخرة عمياً لا يبصرون ولا يدركون ولا يعون، فقلوبهم لم تعِ الحق، فهم -كما وصف الله تعالى- كالأنعام، بل هم أضل؛ إذ الأنعام تفيد بما في بطونها وبظهورها وبألبانها وبأشعارها وأوبارها وأصوافها.