تفسير قوله تعالى: (فانطلقا حتى إذا ركبا في السفينة خرقها)
قال الله تعالى: ﴿فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا﴾ [الكهف: ٧١].
أي: قام الخضر وقد كان نائماً وقال لموسى: الحقني واتبعني، فأخذا يبحثان عن سفينة ليركباها، وموسى يمتثل، بعد أن اجتمعا في طنجة عند صخرة كبيرة، وهي ما تسمى اليوم بجبل طارق، وفي المقابل الآخر الجزيرة الخضراء وملقا من أرض الأندلس، وسيقول لنا أبو هريرة قريباً بأن القرية التي لم تضيفهما كانت في الأندلس.
قوله: ﴿فَانطَلَقَا﴾ [الكهف: ٧١] أي: انطلقا ماشيين مسافرين متنقلين، وأخذا جهة الشاطئ يبحثان عن سفينة، فوجدا سفينة فركباها، ﴿فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا﴾ [الكهف: ٧١] أي: قام الخضر وجاء إلى خشبة في عمقها ومعه قدوم فكسرها.
وهذا العمل يدل على أنه يريد إغراق السفينة بمن فيها وموسى معهم، وإذا بموسى ينسى شرطه، وينسى وعده بأنه سيصبر، فصاح مستنكراً فقال له: ﴿أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا﴾ [الكهف: ٧١] أي: كأنه لم يعد صالحاً ولا نبياً، وإنما أصبح كمجرم يريد قتل هؤلاء الركاب في السفينة جميعاً، فقال له: أتريد من خرقك لها أن تغرقها وتغرق أهلها؟ ﴿لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا﴾ [الكهف: ٧١] أي: شيئاً عظيماً منكراً.
فهو لم يكتف بأن يستفسر عن هذا الفعل، بل استنكره واتهمه بأنه يريد إغراق الركاب، ثم اتهمه بأنه أتى منكراً من العمل، قال موسى: ﴿أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا﴾ [الكهف: ٧١] وإن كان المفسرون قد قالوا إن هذه اللام ليست لام التعليل، وإنما هي لام العاقبة، ولكن ما أظن موسى يقصد العاقبة؛ لأن موسى بحدته اتهمه بأنه يريد إغراق هؤلاء الناس، ولولا أن الله أمره لما تحمل هذا العذاب الشديد في اتباعه.
وإذا بـ الخضر كان أهدأ منه عصباً وكان عنده رزانة المعلم، وكان موسى عليه الصلاة والسلام فيه حدة الطالب، فقال له الخضر: ﴿أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا﴾ [الكهف: ٧٢] أي: ألم أقل لك من قبل عندما طلبت أن تكون تابعاً لي متعلماً من علمي، مسترشداً من رشادي، ألم أقل لك: إنك لن تستطيع معي صبراً؟ ولم يقل: إنني اشترطت عليك ألا تسأل عن شيء حتى أبينه لك، مع أنه اشترط عليه ألا يسأله عن شيء حتى يحدث من نفسه ذكر البيان.
وإذا بموسى يقول له: ﴿لا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا﴾ [الكهف: ٧٣]، فأخذ يعتذر ويقول: إنني نسيت فلا تحملني ما لا أطيق، ولا تصعب علي عشرتك وصحبتك وطلبي للعلم منك، فقبل الخضر الغلطة الأولى وسكت، فتابعا الرحلة ونزلا من السفينة.
وقبل ذلك لم يذكر الله لنا موقف الركاب عندما رأوا الخضر يأتي إلى السفينة فيخرقها ويعيبها، ويغرقها، وكان الشأن أن يثوروا في وجهه، وأن يرموه في البحر ويقوموا بإصلاح السفينة، ولكن الذي حدث أنه خرق السفينة بأن أزال منها ركناً من الأركان من عمقها، وكان معداً أخشاباً، وبمجرد ما نزع هذا وضع هذا، لكن كان التركيب يظهر السفينة معيبة غير صالحة؛ لكي لا يقع طمع الطامعين في أخذها كما سيأتي بعد.
ولكن موسى بادر وأخذ ثوبه وأراد أن يسد هذا الثقب والخرق بثوبه، وماذا عسى أن يصنع الثوب، قد يأتي حوت ويسحبه إليه يظنه لحماً أو طعاماً، ولكن النتيجة أن السفينة لم تغرق، والركاب لم يهلكوا، وموسى لم يحصل له شيء.


الصفحة التالية
Icon