تفسير قوله تعالى: (أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر)
قال الله تعالى: ﴿أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا﴾ [الكهف: ٧٩].
كان هناك ملك طاغية جبار متسلط ظالم، يتسلط على الناس ويصادر أموالهم، كما يأخذ الظلمة الأموال الآن باسم التأمين؛ فالكفر ليس بجديد، فأخذ الأموال من الناس من قبل الحكام والكبراء والملوك كان قديماً ولا يزال إلى وقتنا، فالشيوعية التي تصادر أموال الناس باسم التأمين، والاشتراكية التي تصادر أموال الناس باسم التأمين، والتي تذل العامل والفقير والفلاح والمسكين باسم أنها تريد خدمته، وهي تكذب عليه، هذا نفس الذي أراد الخضر أن يزيله، ويقطع الطريق على هذا الظالم المتسلط، وقيل اسمه هدد بن بدد.
قال تعالى: ﴿أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ﴾ [الكهف: ٧٩] كان يملكها عشرة من الإخوة، خمسة كانوا مقعدين مرضى لا يستطيعون العمل، والخمسة الآخرون كانوا يعملون في السفينة فيستفيدون ويستفيد معهم إخوتهم المرضى، والخضر علم بعلم الله أن هذا البحر الذي فيه هذه السفينة قد تقع في يد ملك طاغية جبار يتعرض للسفن، وكان كلما رأى سفينة سليمة جديدة غصبها من أهلها.
والخضر نبي الله، والأنبياء يكونون رحمة للعباد ورحمة للمؤمنين، فأراد أن ينقذ السفينة من هذا الملك الطاغية، وينقذ هؤلاء المساكين بإنقاذ السفينة، فجاء إلى السفينة فخرقها وعابها كما قال هو: ﴿أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا﴾ [الكهف: ٧٩] فهي عندما تكون معيبة وفيها خرق وثقب، فيراها هذا الملك الغاصب اللص قاطع الطريق، فسيزهد فيها ويتركها؛ لأنها لا تصلح.
وقوله: (فأردت أن أعيبها وكان وراءهم) أي: وراءهم في البحر، (ملك يأخذ كل سفينة غصباً) أي: يأخذها غصباً وقهراً بغير حق، فبعمله هذا أنقذ السفينة وبقيت لهؤلاء المساكين.
وهنا نفهم أن وجود سفينة لأفراد لا يزيل عنهم صفة المسكنة، فالمسكين قد يجد طعاماً وشراباً وسكناً، ولكن ليس عنده ما يكفيه في سنته أو في شهره، وفي الشرع أن المسكين يأخذ من الزكاة ما يكتفي به سنة إن شاء.