تفسير قوله تعالى: (وأما الغلام فكان أبواه مؤمنين)
قال الله تعالى: ﴿وَأَمَّا الْغُلامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا * فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا﴾ [الكهف: ٨٠ - ٨١].
أي: علمه الله وأوحى إليه أن هذا الولد الوضيء الجميل الذكي ذا الملامح الأخاذة سيكون عند كبره وبلوغه عاقاً كافراً طاغيةً جباراً، وسيصيب أبويه المؤمنين الصالحين منه كل بلاء وكل ضرر وأذى.
وقد يغلب حبهما وعطفهما له بأن يجرهما إلى الكفر، فرحمة بهما واستراحة من هذا الكافر سلط الله الخضر لقتله وقطع دابره قبل أن يظهر كفره وطغيانه وفسوقه وعصيانه وعقوقه.
ثم قال: ﴿فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا﴾ [الكهف: ٨١] أي: يبدل الله هذين الأبوين عن هذا الكافر الذي قتلته وأرحتهما منه خيراً منه زكاةً وأقرب منه إيماناً وصلاحاً ونماءً.
وقوله: (وأقرب رحماً) أي: أقرب لصلة الأرحام وللطاعة والبر، وأبعد عن العقوق والكفر والطغيان.
قالوا: وقد عوض الله هذين المؤمنين بنتاً جاريةً فكبرت وبلغت المحيض وتزوجت صالحاً، وأخرج الله من صلبها جماعةً من الأنبياء، عصراً بعد عصر وزماناً بعد زمان.
وقال علماؤنا: ومن هنا يجعل الإنسان إرادته في إرادة الله، وهي معنى قوله تعالى: ﴿وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ﴾ [البقرة: ٢١٦]، فلا شك أن الأبوين عندما قتل ولدهما صاحا وبكيا وتألما وتوجعا، ولكن كان قتله خيراً لهما.
ولذلك عندما يبتلى الإنسان -نسأل الله السلامة والعافية لنا ولكم جميعاً- ينبغي أن يعلم أن الرضا بالقضاء والقدر أصل الإيمان، ومن تمام اليقين والتوحيد، فإذا وقع ما يكرهه الإنسان فليعلم أن الله تعالى ما سلبك إلا ليعطيك، وما أخذ منك إلا ليزيدك، فيتقبل الإنسان ذلك بالرضا وبالقناعة.