المراد بمن استثناهم الله من الفزع
استثنى الله من نفخة الفزع فأخبر بأنه يفزع من في السموات ويفزع من في الأرض ((إلا من شاء الله))، فقيل: الذين شاء الله ألا يفزعوا ولا يرعبوا هم الشهداء الذين سقطوا في معارك الجهاد، فهؤلاء الشهداء أحياء عند ربهم يرزقون، ﴿فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ﴾ [آل عمران: ١٧٠].
فيرزقون رزقاً الله أعلم بحقيقته، ويحيون حياة الله أعلم بحقيقتها.
وعلى كل فالشهداء -كما نص النبي عليه الصلاة والسلام- لا يجدون فزعاً ولا رعباً ولا هلعاً من النفخة الأولى في الصور، بل يكونون على غاية ما يكون من السكينة والاطمئنان والراحة، ولا يفزع إلا غيرهم.
وأنبياء الله في طليعة الشهداء، فأنبياء الله لا يفزعون، والشهداء لا يفزعون والملائكة لا يفزعون.
ومن فسر الفزع هنا بالموت قال: يموت الكل إلا من شاء الله إلى حين، فيفنى الكل فلا يبقى إذ ذاك إلا جبريل وإسرافيل وميكائيل وملك الموت، فيميت الله تعالى أحدهم فلا يبقى إلا ثلاثة، فيميت الله الثاني ثم الثالث، فلا يبقى إلا جبريل، فيقول جبريل: يا حي يا قيوم مات الكل، وأنت الحي الدائم، فيقول له: مت أنت كذلك.
فيموت ويبقى الله الواحد، فلا إنس ولا جن ولا ملائكة، فيقول إذ ذاك: لمن الملك اليوم؟! فلا مجيب، فيجيب نفسه بنفسه فيقول: لله الواحد القهار.
وذاك قوله تعالى: ﴿كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ﴾ [الرحمن: ٢٦] فكل من على الكون فان ميت هالك ﴿وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ﴾ [الرحمن: ٢٧].
فهو الذي كان ولا أولية لكونه، وهو الباقي ولا آخرية لبقائه، كنا عدماً فأحيانا من العدم، ونحن بعد ذلك تحت المشيئة الربانية، فإذا قال لنا: موتوا متنا، وسنموت لا محالة، فكما جئنا من عدم سنذهب مرة ثانية إلى العدم، وتبقى الأرواح، ثم ستعود بعد ذلك في الحياة الثانية يوم العرض على الله حيث الحياة الدائمة، فالجنة ولا موت، أو النار ولا موت.
يقول تعالى: ﴿وَيَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ﴾ [النمل: ٨٧] فلا يفزعون أو لا يصعقون من تلك النفخة، ولكن يموتون بعد ذلك، ويصعقون بعد ذلك، وآخر من يبقى أولئك الملائكة، ثم يموت الواحد منهم خلف الآخر ولا يبقى إلا جبريل، فيقول الله له: مت فيموت، فيبقى الله وحده.


الصفحة التالية
Icon