تفسير قوله تعالى: (تلك آيات الكتاب المبين)
قال تعالى: ﴿تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ﴾ [القصص: ٢].
معناه: الله تعالى تكلم بالقرآن وأنزله على نبيه بواسطة الروح الأمين جبريل عليه وعلى نبينا السلام، كان هذا من هذه الأحرف، أتستطيعون أن تأتوا بمثلها؟ هيهات لا مؤمن ولا كافر! ﴿طسم * تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ﴾ [القصص: ١ - ٢].
الإشارة إلى هذه الأحرف، وهذه الأحرف منها كان القرآن، ومنها كانت جمله ومفرداته وتعابيره، ومع ذلك أتستطيعون أن تفعلوا مثل ذلك؟ هيهات هيهات! التحدي كان منذ (١٤٠٠) عام، وكان في عصرنا منذ عشرين سنة أو أكثر بقليل رجل لم يمض له مثيل في البلاغة والفصاحة منذ (١٠٠٠) عام في العرب، وأعني به مصطفى صادق الرافعي رحمه الله في كتابه الذي جمع بعد ذلك ومقالاته، وسميت: وحي القلم مع بلاغته وفصاحته، عندما تقرؤها تقول: فصاحة وبلاغة! ولكن عندما تقرأ الفصاحة النبوية تجد بين كلامه والفصاحة النبوية ما بين السماء والأرض، أما إذا وازنت بينه وبين بلاغة القرآن وإعجازه فالفرق هو ما بين الخالق والمخلوق؛ هذا على أنه لا نظير له ليس في عصره فقط بل من قبل عصره بأكثر من ألف عام، مع أنه عمر مقالاته وكلامه بروح الإسلام، وأخلاقه وآدابه في أبلغ عبارة وكلمة ومفردة، ولكن الإعجاز للقرآن يبقى دائماً الصفة الكاشفة المفردة المعرّفة.
﴿تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ﴾ [القصص: ٢] تلك: هذا الكلام أكّده صاحب الكشاف الزمخشري وأيده بتحمس وبأدلة أخذها من الاستقراء في كتاب الله، كما فعل الزمخشري وكذلك صديقنا المرحوم الشيخ الشنقيطي في كتابه أضواء البيان.
﴿تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ﴾ [القصص: ٢] (تلك) أي: وهذه الأحرف منها، (آيات الكتاب المبين) أي: القرآن المبين الواضح، البيّن المنير المشرق، الذي مهما لم يفهمه زيد من الناس أو عمرو من الناس فقد فهمه آخرون، فلا بد من بيانه ومعرفته إذا لم يفهمه الكل لعدم دراستهم ولجهلهم بلغة العرب، وبشريعة الإسلام، فمن أكرمه الله باللغة العربية والإمامة فيها ودراسة الشريعة الإسلامية فالقرآن له بيّن، بل هو بيّن لعموم من يعرف العربية حتى الدارجة، يستطيع أن يفهم من ذلك الدعوة إلى عبادة الله، وترك الحرام والمنكرات على قدر لغته الدارجة، أما الذي لا يعرف من العربية شيئاً فهذا أصم وأبكم، فيجب عليه تعلم العربية؛ ليعلم كتاب ربه وسنة نبيه.
والإسلام فريضة على كل مسلم، ولا يتوصل إلى ذلك إلا باللغة التي أنزل بها، وما أُنزل القرآن إلا بلغة العرب، وما أُنزل إلا على سيد العرب بلغته ﷺ وفصاحته وبيانه.
(المبين) أي: النير الواضح الذي يفهمه كل من أكرمه الله للتعلم من العربية والشريعة ما يدرك به المعنى والأحكام.