تفسير قوله تعالى: (وقالت امرأة فرعون)
قال تعالى: ﴿وَقَالَتِ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ قُرَّةُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ﴾ [القصص: ٩].
التقط آل فرعون هذا الوليد، وإذا بامرأة فرعون جاءت إلى فرعون واستعطفته وتمسحت به وقالت له: لا ولد لنا، هذا الوليد قد يكون قرة عين لي ولك، وسبب فرح وسعادة وسيادة وينشر ذريتنا وسلالتنا، ويرث عرشنا وملكنا.
وأصل قرة العين هدوءها وبردها، ويكون ذلك عند الفرح بما يسر القلب ويطمئن النفس.
وقيل إنه وافق وقال لها: أما لكِ فنعم، وأما أنا فلا حاجة لي به.
ورووا أن النبي ﷺ قال: (لو قال فرعون قرة عين لي ولكِ لكان قرة عين له ولها أيضاً) ولكنه رفض ذلك ليتم وعيد الله، ولتتم عقوبة الله على هذا الظالم المتأله الكاذب.
وقوله تعالى: (لا تَقْتُلُوهُ) باعتبار قتله لكل عبراني، وهو ولد في السنة التي يقتل فيها أطفال بني إسرائيل فأخذت ترجوه وتستعطفه ألا تقتلوه؛ (عَسَى) إن تُرك بلا قتل (أَنْ يَنفَعَنَا) أي: أنا وأنت ومملكتنا ودولتنا (أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا) أي: نتبناه، عسى أن يصدر لنا منه نفع في المستقبل، أو يكون ولداً لنا حيث لا أولاد لنا.
وكل ذلك رفضه فرعون فقال: لا حاجة لي بنفعه ولا ببنوته فهو قرة عين لكِ فقط، وقد كان هذا كذلك، فقد هداها الله على يده فأسلمت وآمنت وكانت من الصدّيقات، قال النبي عليه الصلاة والسلام لـ خديجة أم المؤمنين الأولى رضي الله عنها: (ألا تدري يا خديجة أن الله سيزوجني يوم القيامة آسية امرأة فرعون ومريم أم عيسى؟) والحديث صحيح؛ وعلى هذا الاعتبار يجب أن تُعتبر آسية أماً من أمهات المؤمنين ولو في الآخرة، ومريم أماً من أمهات المؤمنين ولو في الآخرة.
وهكذا من خلد ذكره في الصالحين فإنه يذكر ولو بعد حين، فخلدت آسية على لسان خاتم الأنبياء، وعلى لسان أتباعه من ورثته من العلماء إلى كل المؤمنين، فقد قال عليه الصلاة والسلام كما في الصحيح: (كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء إلا أربع: آسية بنت مزاحم ومريم بنت عمران وخديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد).
فالله عز وجل ألهمها أن تقول: (قُرَّةُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا) فلقد نفعها النفع الجزيل فآمنت وأسلمت وأخلصت لله، وامتثلت أمر موسى عندما جاء نبياً يدعو فرعون إلى توحيد الله، فنفعها وكان قرة عين لها، ورفض ذلك فرعون وبقي على كفره واستحق عقوبة الله له.
وقوله تعالى: (وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) كل هذا الذي يقوله الله، ويوحي به إلى أم موسى والقوم لا يشعرون بهذا، ولو شعر فرعون بأن موسى سيكون سبب هلاكه لمزّقه تمزيقاً، ولو شعر الذبّاحون والأقباط أنه سيكون سبب هلاكهم وسبب عقوبة الله لهم لذبحوه.
فقوله تعالى: ﴿وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ﴾ [القصص: ٩].
أي: ولو شعر فرعون بأن موسى سيكون سبب هلاكه لمزّقه تمزيقاً، ولو شعر الذبّاحون والأقباط جميعاً أن هذا الوليد الذي ينشأ على عين فرعون وفي بيت فرعون ولا يُعرف إلا بموسى بن فرعون سيكون سبب هلاكهم وسبب عقوبة الله لهم، لقتلوه منذ أزمان.
فهم لا يَشْعُرُونَ بحكم الله وبالعاقبة التي يريد الله عقوبتهم بها؛ وهؤلاء الذين طالما حذروا وذبحوا الآلاف بل عشرات الآلاف لكي لا يُقتل فرعون ولا يُطرد فرعون ولا يُمحق الأقباط ولا يذهب الكهان؛ ولكن هيهات أن ينفع حذر من قدر!