تفسير قوله تعالى: (فرددناه إلى أمه)
قال تعالى: ﴿فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ﴾ [القصص: ١٣].
كان ذلك سبباً في أن يأتي الطفل إلى أمه، وجاءوا بالوليد فسلّمته الثدي مع العطف والشوق، وإذا بالحليب يدر من أول مرة كأنه نافورة، وإذا بالطفل يشم رائحة أمه فيلتقم ثديها ولو توسع فمه الصغير لارتضعه جميعاً، فسرّت أم موسى وبلغ ذلك زوجة فرعون، فسرّت وفرحت وقرّت عينها وطلبت منها أن تأتي إلى قصرها فجاءت، فقالت لها: أنت في بيتي وواحدة من أهلي فاخدميه وأرضعيه هنا.
فقالت لها أم موسى: هذا يسرني ولكنني زوجة لرجل وأم لأولاد ومكلّفة ببيت، فلمن أترك الزوج والأولاد، فدعيه عندي فأنا سأخدمه بعيني وأنصح لكم فيه، فوافقت.
وذكر النبي عليه الصلاة والسلام أن الرجل يعمل العمل فيحتسب به على الله فيؤجر عليه كما أُجرت أم موسى على وليدها، أرضعت ولدها وأخذت أجرة.
ووعد الله كان بأسرع وقت، وعدها الله بأن يرده إليها فرده خلال يومين أو ثلاثة أيام بالأكثر، قال تعالى: (فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا): أي: تزداد فرحاً وسروراً وارتياحاً وبهجة بوليدها حيث سترضعه أمام الملأ دون خوف ولا وجل ولا رُعب؛ لأنه لو بقي عندها لأرضعت ولداً من أولاد بني إسرائيل، ومهما حاولت أن تُخفيه فهي في رعب مستمر، ويقع عليها رعب أشد من الرعب الأول عندما ألقته في اليم، أما الآن فهي تُرضع ولد الملك بإجلال وباحترام وبإعزاز، وهكذا وعد الله الحق إذا وعد أحداً بأن يفعل له وأن يكرمه كان وعده الحق جل جلاله، قال تعالى: ﴿وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ﴾ [التوبة: ١١١] أي: لا أحد.
وقوله تعالى: (وَلا تَحْزَنَ) فقد ذهب حزنها وانتهى بأسرع وقت.
(وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ) ولتزداد أم موسى علماً وإيماناً ويقيناً بأن وعد الله حق، (وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ) ولكن أكثر الناس لا يثقون بعهد الله ولا بوعده ولا يؤمنون بذلك فهم كفرة فجرة، وقد يكونون مسلمين يعلمون وعد الله الحق بنصرة المسلمين ومع ذلك لا يطمئنون، وذاك من ضعف إيمانهم وقلة يقينهم.