تفسير قوله تعالى: (ولما بلغ أشده واستوى)
ولما ذكر الله تعالى ولادته وطفولته ورضاعه، ذكر بعد ذلك نشأته من بداية شبابه إلى اكتماله ونضوجه، فقال تعالى: ﴿وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ﴾ [القصص: ١٤].
لما بلغ موسى الحلم والأشد: ما بين الثامنة عشرة إلى الثالثة والثلاثين من بداية الشبيبة إلى اكتمالها ونضجها (وَاسْتَوَى) أي: أتم الأربعين، لا يكون استواء الرجولية إلا عند الأربعين عاماً من عمر الإنسان، فهو العمر القابل لإرسال الرسالات ووحي الله تعالى لعبيده من البشر كما أرسل نبينا محمداً ﷺ وهو ابن أربعين سنة.
وقوله تعالى: (آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا) أي: آتاه الله الحكمة والعلم والفهم، أما النبوة فلم تأت له إلا بعد أن يترك البلد ويهدد بحياته ويصبح في أرض مدين، وتلك مرحلة ثالثة وليست المرحلة الأخيرة من المراحل التي قص الله علينا من سيرة موسى.
فعندما بلغ موسى هذا السن وهو ما دون الأربعين سنة أكرمه الله بالفهم والحكمة، ومن ذلك أنه كان على دين آبائه، كان موحداً ومؤمناً بما تبقى من رسالات بني إسرائيل.
قال تعالى: (وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) كل من عاش محسناً في حياته مطيعاً لربه مصدّقاً بوعده غير مخالف ولا عاص فإن الله يحسن إليه كما أحسن إلى موسى عليه الصلاة والسلام؛ فالله القديم الأزلي الذي لا أول له ولا آخر له وهو على ما كان عليه كائن، وكما أكرم الأولين فهو يُكرم الآخرين وفضل الله تعالى لا يحجّر ولن يحجّر، من أحسن في دينه وطاعته وأكرم مثوى نفسه وأخلص الخدمة لعباد الله المؤمنين؛ فلم يسرق ولم يزن ولم يخالف فإن الله تعالى يجزيه أحسن ما يجازي به عباده الصالحين، كما أحسن لموسى يحسن لمن فعل فعله من الطاعة والامتثال فزاده العلم والحكمة.


الصفحة التالية
Icon