تفسير قوله تعالى: (ودخل المدينة على حين غفلة من أهلها)
قال تعالى: ﴿وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلانِ هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ﴾ [القصص: ١٥].
بعدما أصبح موسى في هذه الدرجة من الوعي والفهم والعلم، بينما هو في يوم من الأيام قد دخل المدينة واسمها عين الشمس، وهي المدينة التي نشأ فيها، ولكن كان وهو كرئيس وابن الملك قلما يخرج للشوارع، فبدا له أن يخرج يوماً في وقت خلاء الشوارع وليس فيها أحد كشأن الكبراء عندما يريدون أن يتنقلوا ويسيحوا في البلاد.
فخرج في وقت القيلولة والراحة أو ما بين المغرب والعشاء، وهو وقت نهاية عمل اليوم والعودة إلى البيت للعشاء والراحة، فخرج في هذا الوقت وكانت الطرق خالية ليس فيها أحد، وإذا به وهو يتجوّل يجد رجلين يقتتلان ويتخاصمان ويتنازعان ويضرب بعضهما بعضاً، ويكاد يقتل أحدهما الآخر أو يُقتلان معاً، (فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِه) أي: الإسرائيلي فهو من قومه (عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّه) أي: القبطي، وكان موسى قوي الجسم متين العضلات فجمع أصابع يده فوكز القبطي بضربة فألقاه ميتاً، وهو لا يريد قتله ولكن يريد الانتقام منه نصرة للذي من شيعته وقومه.
فقوله: (فَوَكَزَهُ مُوسَى) الوكز الضرب بجمع اليد عند الصدر.
(فَقَضَى عَلَيْه) أي: كانت القاضية على حياته، فعندما رآه موسى يُصرع ميتاً (قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَان) أي: أنا لم أرد قتله ولم أفعل ما يكون سبباً لقتله، فالشيطان هو الذي تدخل في الموضوع فدفع موسى وحمسه إلى أن قتله.
(إِنَّهُ عَدُوٌّ) أي: إن الشيطان عدو للإنسان منذ امتنع من السجود لأبيه آدم، و (مُضِلٌّ مُبِينٌ) فهو لا يسعى إلا في ضلال الناس وفي إفسادهم، فهو مضل ظاهر بيّن واضح لمن عمي قلبه قبل أن يعمي بصره، إذ ذاك موسى وقد أوتي الحكمة والعلم والفهم والدين ولم يوح إليه بعد فقال كما ذكر تعالى: