تفسير قوله تعالى: (إنا مكنا له في الأرض)
قال تعالى: ﴿إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا﴾ [الكهف: ٨٤].
فـ ذو القرنين هو عبد من عباد الله مكن الله له في الأرض وأعطاه سلطاناً ونفوذاً وحكماً، وأعطاه ما يحكم به بين المشارق والمغارب، قوله: (إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الأَرْضِ) أي: كل الأرض، والألف واللام للاستغراق، فقد حكم ذو القرنين ما بين شروق الشمس إلى غروبها وما بين شمالها إلى جنوبها، وعاش ألفاً وستمائة عام كما قال المفسرون من الصحابة والتابعين وأئمة الحديث.
فقوله: (إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الأَرْضِ) أي: أعطيناه من الأسباب، قوله: (وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا) أي: آتيناه من كل ما يحتاج إليه لملكه وحكمه وسلطانه، وأعطيناه من العلوم والوسائل التي يتنقل بها بين المشارق والمغارب من جند ووزراء وأعوان ونصراء وآلات سفر وتنقل، ومن كل ما يحتاج إليه من قهر أعدائه والمخالفين له والمعارضين لسلطانه، وقد روي -ولا أستبعده- أنه سخر له السحاب كما سخر السحاب لسليمان عليه السلام، ومن المعلوم أن سليمان سأل الله أن يهبه ملكاً لا ينبغي لأحد من بعده، لكن ذا القرنين كان قبل سليمان، فقد عاصر ذو القرنين إبراهيم الخليل عليه سلام الله وطاف معه بالكعبة، وكان من وزرائه الخضر.
فلقد مكن لـ ذي القرنين تمكيناً وكان أيام إبراهيم وسخر له السحاب فكان يتنقل بين مشارق الأرض ومغاربها ممكناً له بالأسباب والجند والقوة والجيوش وآلات الحرب والحكم والمال والثروة التي بها أخضع العالم لسلطانه ولأوامره ونواهيه، وكان موحداً لله مسلماً صالحاً.
فقوله: (إنا مكنا له في الأرض وآتيناه من كل شيء سبباً) أي: آتيناه من كل ما يصلح للملوك والحكام من آلات وعلم ومعرفة وأداة كما قال ابن عباس وسعيد بن جبير والصحابة والتابعون.
قال تعالى: ﴿فَأَتْبَعَ سَبَبًا﴾ [الكهف: ٨٥] أي: اتبع ما أعطاه الله من أسباب في معرفة الطرق الموصلة إلى المغرب والمشرق ثم إلى ما بين السدين، قوله: (سبباً) أي: طريقاً ومسالك، فقد كان يعلم ذلك علم يقين، وله أعوان من علماء الأرض وجغرافيتها ومسالكها سواء بين الجبال أو الوهاد أو البحار، وهكذا أعطي سبب كل ما يمكنه في الأرض من التحكم فيها وإخضاع ملوك الأرض وشعوبها لسلطانه.