تفسير قوله تعالى: (وإذا يتلى عليهم قالوا آمنا به)
قال تعالى: ﴿وَإِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ قَالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ﴾ [القصص: ٥٣].
وإذا يتلى عليهم القرآن وقد تلاه عليهم نبي الله ﷺ آمنوا به وأعلنوا إيمانهم وقالوا: قد كنا مؤمنين به من قبل أن نراك ونسمعك، وقبل رسالتك والكتاب المنزل عليك وقد آمن من اليهود عبد الله بن سلام وجماعة معدودين على اليد، وآمن سلمان الفارسي وتميم الداري وكانا نصرانيين، وآمن جماعة من أرض جيزان، وآمن ملك الحبشة فأسلم هؤلاء، وكانوا من أهل الكتاب، وقالوا للنبي عليه الصلاة والسلام: وجدنا صفتك، وكنا مؤمنين بك من قبل، وكنا مسلمين من قبل، ووجدنا اسمك يا محمد! وكتابك في كتبنا، وتحدثت إلينا أنبياؤنا عنك، وبشرونا بظهورك وبالوقت الذي ستظهر فيه في جبال مكة، وأنك ستظهر في آخر الزمان، ولذلك بمجرد أن ظهرت وطابقنا صفتك مع ما نعلمه من التوراة والإنجيل وجدنا الصفة تامة منطبقة عليك، فآمنا، وكنا من قبل نؤمن بأنك آت، وأنك مرسل، فآمنا بك وبالكتاب الذي سينزل إليك.
ولذلك عندما سمعوا القرآن وسمعوا عيسى يقول كما تلا القرآن: ﴿وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ﴾ [الصف: ٦]، فهذا الوصف وجد في الإنجيل وفي التوراة، وبعض العلماء من الهنود له كتاب طبع أكثر من مرة جمع فيه النصوص من التوراة ومن الإنجيل ومن الزبور كما هي اليوم، وهي كلها تؤكد بشارة الله للقوم من قبل بظهور نبي في آخر الزمان، وصف بالحمد وبراكب الجمل، ولا يوجد في الأنبياء من اسمه محمد، أو أحمد، أو محمود إلا نبينا عليه الصلاة والسلام، على أن عيسى قد سماه وقال: أحمد، وأولئك حاولوا التحريف والتغيير، ولكن هيهات، فقد كانت الآيات في ذلك كثيرة، فحرفوا البعض وبقي الكثير مما يؤكد رسالة نبينا ﷺ في هذه الديار المقدسة.
وجاء في الإنجيل وفي التوراة: أنه سيظهر في جبال فاران، وجبال فاران هي جبال مكة، وقد وصف براكب الجمل، ولم يركب الجمل إلا هو عليه الصلاة والسلام، فلم يكن في بني إسرائيل ولا في أرض بابل والعراق التي ظهر فيها إبراهيم خليل الله عليه السلام جمال، ولكن الجمال عرفت في جزيرة العرب، وعرف العرب بها فهي صفة لازمة، فلم تكن هناك طيارات ولا سيارات ولا صواريخ ولا بواخر بحرية، وما كان إلا الجمل، ولذلك كان يسمى سفينة الصحراء، فكما يسافر الناس في البحار على السفن فإنهم يرحلون في البراري على الجمال.


الصفحة التالية
Icon