تفسير قوله تعالى: (وما أوتيتم من شيء فمتاع الحياة الدنيا)
قال تعالى: ﴿وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى أَفَلا تَعْقِلُونَ﴾ [القصص: ٦٠].
يخاطب الله الكافرين والجاحدين والعصاة بقوله: ﴿وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ﴾ [القصص: ٦٠] أي: من مال ورفاهية وشباب وقوة، ليس كل ذلك إلا متاع الحياة الدنيا وزينتها تتمتعون به متاعاً مؤقتاً، كأكلة أكلتها صباحاً فقذفتها مساء، كشباب كان بالأمس كذلك مضت عليه سنوات ثمَّ انتهى بالشيخوخة وانتهى سواد الشعر بالشيب، وانتهت الحياة بالموت، ولا يبقى إلا الله، فالدنيا دار زوال وفناء بما فيها وبما عليها.
قال تعالى: ﴿وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى أَفَلا تَعْقِلُونَ﴾ [القصص: ٦٠] أي: ما عند الله يوم القيامة من جنان خالدات وحور عين ورؤية لله جل وعزّ؛ فذلك أبقى وأدوم ولا يفنى.
فيقول الله: (أفلا تعقلون؟) أي: أليست هناك عقول؟ ﴿أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ﴾ [البقرة: ٦١] خير لأنه أدوم وأبقى وألذ، ولذائذه كما وصفها القرآن، والنبي عليه الصلاة والسلام: فيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين، وفيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر.
يقول ابن عباس: كل ما ذُكر من سمة للحور العين والفواكه والأطعمة والطير واللحم ليس فيه من الدنيا إلا الأسماء، فما عند الله يوم القيامة هو فوق ما يظن الظّان ويخطر على باله، من متع دائمة ولذائذ باقية وسعادة لا تنتهي ليلاً ولا نهاراً، فهي الظل الممدود وهي الحياة الدائمة التي لا موت بعدها أبداً.
فقوله تعالى: ﴿أَفَلا تَعْقِلُونَ﴾ [القصص: ٦٠] أي: أليس لكم عقول تفكرون بها؟


الصفحة التالية
Icon