تفسير قوله تعالى: (أفمن وعدناه وعداً حسنا فهو لاقيه)
قال تعالى: ﴿أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْدًا حَسَنًا فَهُوَ لاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ﴾ [القصص: ٦١].
استفهام إنكاري تقريعي أي: أيهما أحسن؟ هذا الذي وعدناه منا وعداً حسناً، وعدناه إن أنت آمنت وأسلمت وأصلحت فيوم القيامة لك من الخير والرضا والجنان والقصور والحور العين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، أهذا خير أم ذاك الذي متّعنا متاع الحياة الدنيا وعاش في الدنيا ليأكل ويشرب كما يأكل ويشرب الحيوان؟ فشأن المؤمن والعاقل في الأرض أن يأكل ليعيش، والحيوان يعيش ليأكل؛ ولذلك وصف النبي عليه الصلاة والسلام بأن الكافر يأكل بسبعة أمعاء، إذ لا يكتفون بمرتين في اليوم أو ثلاث مرات، لكنهم يأكلون خمس مرات ولا تكاد تجدهم إلا يأكلون، وما دامت المعدة صالحة فهو يأكل، حتى إذا فسدت وخربت وما عادت تهضم إذ ذاك يأكل بالحمية والجوع، فإذا زاد على الأكل بما لم يسمح له به الطبيب أضر بنفسه وقد يتعرض للموت، وأخطر من الموت أن يعيش سنوات مريضاً مهملاً مشلولاً أو لا يكاد يتحرك، نسأل الله اللطف والسلامة.
قوله تعالى: ﴿فَهُوَ لاقِيهِ﴾ [القصص: ٦١] أي: سيلقى ما وعدناه به، وسنفي له بالوعد ونحقق له المبتغى، قال تعالى: ﴿وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ﴾ [التوبة: ١١١] فهو مستقبله ومحصّل له وسيكون له يوماً.
قال تعالى: ﴿كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ [القصص: ٦١] أي: هل هذا أحسن أو ذاك الذي متّعناه في الحياة الدنيا بطعام وشراب ثم انتهى طعامه وشرابه وانتهى هو أيضاً؟ ﴿ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ﴾ [القصص: ٦١] فبعد هذه المتعة غير الدائمة وهذا الطعام الذي لا يفيد سيفنى ويموت، ويكون يوم القيامة من المحضرين للحساب والعقاب ولعذاب الله ودخول النيران؛ فهو يحضر ليُعذَّب وليُحاسب: لمَ لم تؤمن؟ لم أصررت على الشرك؟ ألم يرسل إليك رسل؟ ألم يقُل لك علماؤك؟ ألم تقرأ كتاب ربك؟ ألم ألم، فيجد نفسه عاجزاً عن الجواب؛ لأنه قد رأى النبي أو سمع به وأبى إلا التكذيب والكفران، واغتر بجاهه وسلطانه وماله ومتع فرجه وبطنه وظهره، فما أوصله ذلك إلا للعنة والخراب ولعذاب الله يوم القيامة.