تفسير قوله تعالى: (ويوم يناديهم) إلى قوله: (فهم لا يتساءلون)
قال تعالى: ﴿وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ﴾ [القصص: ٦٥].
أي: يوم يأمر الله الملائكة فتدعو كل واحد باسمه، فيقال لهم: ﴿مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ﴾ [القصص: ٦٥] أي: عندما جاءت رسلكم وأنبياؤكم ودعوكم للإيمان بالله وعدم الشرك والكفران، ودعوكم إلى الإيمان بما جاءت به كتب الله من أوامر ونواهٍ، وحلال وحرام، ماذا كان جوابكم لهم؟ وسبق أن قال ربنا في الآية السابقة: ﴿وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ﴾ [القصص: ٦٢] فالسؤال هنا سؤالان، كسؤال الملائكة للميت في القبر، إذ يكون السؤال أولاً عن الله ووحدانيته: ﴿وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ﴾ [القصص: ٦٢] ثم يسألون ثانية: ﴿وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ﴾ [القصص: ٦٥] أي: وماذا كان جوابكم للرسل عندما جاءوكم؟ هل استجبتم وأطعتم وحللتم ما أحلوا وحرمتم ما حرموا؟ وهكذا الميت عندما يُدفن في القبر يأتيه الملكان فيسألانه، فأول سؤال يسألانه: من ربك؟ ثم بعد ذلك يسأل: من نبيك؟ فإن أجاب جواب المؤمنين المسلمين سئل بعد ذلك عن الصلاة والزكاة وبقية الواجبات، فإن لم يجب رأى العذاب والمحنة، وإن أجاب رأى الرحمة والرضا؛ وهكذا يوم القيامة يُعاد
Q أين ما كنتم تزعمون من دون الله؟ ثم يسألون مرة أخرى: ﴿مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ﴾ [القصص: ٦٥].
فيكون الكافر أخرس لا جواب له؛ لأنه لم يوحد الله بل أشرك به ولم يستجب للرسل في دعوتهم، بل كفر بهم.
قال تعالى: ﴿فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمْ الأَنْبَاءُ يَوْمَئِذٍ فَهُمْ لا يَتَسَاءَلُونَ﴾ [القصص: ٦٦].
فالجواب عن السؤال يوم القيامة عن الله وعن الإيمان برسل الله تعمى عليهم وتضيع، والأنباء: الأخبار، أي: لا يستطيعون خبراً ولا نبأً ولا جواباً؛ لأنه لا جواب عندهم، فإنهم سيذهلون عن السؤال، إذ لو أجابوا فلن يكون جوابهم إلا أنهم أشركوا بالله ولم يستجيبوا لرسل الله.
قال تعالى: ﴿فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمْ الأَنْبَاءُ﴾ [القصص: ٦٦] أي: ضلوا إلى أن أصبحوا عمياً، وأصبحت الأنباء والأخبار عنهم في عمى وضياع فلا جوا ب منهم ولا خبر يستطيعون الجواب فيه لله أو لملائكة الله.
قوله: ﴿يَوْمَئِذٍ﴾ [القصص: ٦٦] أي: يوم القيامة، يوم العرض على الله.
قوله: ﴿فَهُمْ لا يَتَسَاءَلُونَ﴾ [القصص: ٦٦] أي: فلا يسأل بعضهم بعضاً، ولا يستخبر بعضهم بعضاً إذ ليسوا في موضع جواب ولا موضع سؤال، وإذا سُئلوا لم يجيبوا لما هم فيه من ذهول الكفر والمحنة والغضب واللعنة من الله، فالله يقص هذا في حال الدنيا على الكافرين لعلهم يتوبون ويذكرون حال الكافرين السابقين لمن لا يزال حياً؛ ليستدرك حياته قبل موته فيتوب إلى الله ويئوب.


الصفحة التالية
Icon