تفسير قوله تعالى: (وهو الله لا إله إلا هو)
قال تعالى: ﴿وَهُوَ اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ﴾ [القصص: ٧٠].
أي: لا شريك له ولا ثاني له، وكل من أشرك به أتى بالزور والباطل والكذب والبهتان، وليس له على ما أتى سلطان ولا دليل لا من عقل ولا من منطق ولا من نقل، إن هي إلا خزعبلات وأباطيل، أتوا إلى حجارة لا تضر نفسها ولا تنفعها فضلاً عن أن تضر غيرها أو تنفعها، أتوا إلى خلق من خلق الله ملائكةً أو رسلاً أو بشراً أو جناً أو حيوانات، فجعلوها شركاء لله وهي جميعها لا تملك لنفسها ضراً ولا نفعاً، والكل عبد لله خاضع لجلاله تحت أمره ونهيه، ومن أحياه عاش ومن أماته ذهب إلى أمس الدابر.
فقوله: ﴿وَهُوَ اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ﴾ [القصص: ٧٠] أي: هو المعبود بحق، الواحد الذي لا ثاني له وكل ما عداه مما قال الكاذبون وافترى المبطلون وكرره المشركون ليس ذلك إلا باطلاً وكذباً وزوراً وبُهتاناً، فلا إله معبود بحق إلا هو المنفرد بالألوهية والربوبية له الخلق وله الأمر والاختيار، وهو المحيي والمميت.
قال تعالى: ﴿لَهُ الْحَمْدُ فِي الأُولَى وَالآخِرَةِ﴾ [القصص: ٧٠] أي: له الحمد المطلق في الأولى: في الدنيا، يحمده الناس على ما رزقهم سبحانه فالمؤمن يحمده ويشكر على حمده، والكافر يأبى ونعمة الله متجلية عليه ظاهرة وباطنة من صحة وشباب وحواس ورزق وحياة وعطاء، والواجب أن يُحمد الله الفاعل لكل ذلك المتمنن والمتفضّل بكل ذلك.
قال تعالى: ﴿لَهُ الْحَمْدُ فِي الأُولَى وَالآخِرَةِ﴾ [القصص: ٧٠] أي: وله الحمد يوم القيامة كذلك على ما أعطى عباده المؤمنين الصادقين من جزاء بدخول الجنة ورحمة ورضا حتى إنه ابتدأ الأمر بقوله: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [الفاتحة: ٢] وانتهى بقوله: ﴿وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [يونس: ١٠] فنبتدئ الحياة منذ أن ندرك ونحس بوجودنا ونستشعر بأنه جل جلاله الخالق الرازق المحيي المميت؛ وهكذا نبقى مدة حياتنا، حتى إذا عُرضنا عليه مرة ثانية وأكرمنا الله برحمته ورضاه تكون آخر دعوانا مرة أخرى: الحمد لله رب العالمين.
ومن هنا فرض علينا رسول الله ﷺ أن تكون الفاتحة المبتدأ بها كتاب الله والمبتدئة بالحمد، وتقرأ باستمرار في جميع الركعات فرائض ونوافل، للإمام والمأموم والفذ، فأول ما نقول: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [الفاتحة: ٢] أي: الحمد الكامل لله رب العالمين، فهو ربهم وإلههم وخالقهم وذو الفضل والمن عليهم.
قال تعالى: ﴿وَلَهُ الْحُكْمُ﴾ [القصص: ٧٠] فهو الذي يفصل بين العباد يوم القيامة إما إلى جنة وإما إلى نار، وهو الذي يفصل بين الأديان والأحزاب والملل والنحل، فيقول لهذا: أصبت ويقول لهذا: لم تصب، على أن ذلك قد أرسل به الرسل وأنزل عليهم الكتاب بذلك، ولكن المتشككين الكافرين الذين لا يؤمنون بالغيب ويأبون إلا الجحود والكفران عندما يرون ما كان إيماناً بالغيب شهوداً وحضوراً، ويرون العرض على الله يوم القيامة، وقد كانوا في دنياهم يُنكرون ذلك، ويرون الجنة والنار بأعينهم وكانوا في الدنيا منكرين لذلك، يعلمون أنه له الحكم إذ ذاك، فهو الحاكم الذي سيفصل بينهم، ويحكم لهذا بالجنة ولهذا بالنار.
قال تعالى: ﴿وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ [القصص: ٧٠] أي: رجوعنا لله، فقد جاء بنا الله جل جلاله خلقاً من خلقه وسنموت دهراً ثم نعود إليه يوم القيامة؛ ليحاسب المحسن على إحسانه والمسيء على إساءته.