تفسير قوله تعالى: (ولقد فتنا الذين من قبلهم)
قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ﴾ [العنكبوت: ٣].
أي: وليس هذا مما انفردتم به يا أتباع محمد، بل: ﴿وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ﴾ [العنكبوت: ٣].
أي: لقد فتنت الأمم من قبل، وأعظم من فُتن بما لم يُفتن به نبي من الأنبياء نوح عليه السلام، فلم يبتل أحد مثل ابتلائه، فقد بقي ألف سنة إلا خمسين عاماً في غاية الفتنة والبلاء من قومه، وهو صابر يدعو إلى الله صباح مساء، حضراً وسفراً، فكانوا تارة يهزءون به، وتارة يكذبونه، وتارة يشتمونه، وهو مع كل ذلك صابر داع إلى الله، ومع هذه المدة الطويلة ما آمن به من قومه إلا قليل.
قال تعالى: ﴿فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ﴾ [العنكبوت: ٣].
يعلم الله الشيء قبل أن يكون وبعد أن يكون، ويعلم ما لم يكن لو كان كيف يكون، فهو العالم بكل شيء.
والعلم هنا الرؤية، أي: سيرى الله من خلقه من الذي سيكون بعد الفتنة صادقاً، ومن الذي سيكون كاذباً، ومن الذي سيثبُت على الإيمان بالله جناناً ولساناً، ومن الذي ستتلاعب به الأهواء ويكون كريشة في مهب الريح، والسماء لا تكاد تستقر على حال.
﴿فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا﴾ [العنكبوت: ٣].
أي: في إيمانهم؛ ليرى الصادق في إيمانه، وليرى الكاذب في إيمانه، وليجازي الصادق على صدقه، وليجازي الكاذب على كذبه، وما خُلقت النار والجنة إلا لأمثال هؤلاء؛ فللمطيع الصادق الجنة، وللكاذب المنافق المرتد المتردد النار.
والعياذ بالله.


الصفحة التالية
Icon