تفسير قوله تعالى: (فأنجيناه وأصحاب السفينة)
قال تعالى: ﴿فَأَنجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ وَجَعَلْنَاهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ﴾ [العنكبوت: ١٥] فطاف الطوفان على الأرض فلم ينج الله منه إلا نوحاً ومن آمن معه، بل إن أحد أولاده لم يؤمن به وأبى إلا الكفر وقال سأستعصم بجبل من الماء، وقال له والده: ﴿لا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ﴾ [هود: ٤٣] وهكذا حال الموج بينه وبين ولده، ﴿فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ﴾ [هود: ٤٣]، وهو كافر بالله.
فتجددت الحياة بعد ذلك وأنقذ الله نوحاً ومن آمن معه من الغرق، وما آمن معه إلا قليل، وترك الله ذلك آية وعبرة ودرساً للعالمين ولكل العوالم التي ستأتي بعد نوح وتسمع قصته.
وقد ذُكرت هذه القصة في جميع الكتب السماوية: التوراة والإنجيل والزبور على ما وقع فيها من تحريف وتبديل وتغيير إلى أن نزل الكتاب الخاتم، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، فبيّن وفصّل وأظهر ما زاده أولئك الذين انحرفوا وتركوا الدين الحق، وعندما نسخت أديانهم بكتاب الله القرآن وبسنة النبي ﷺ بقوا على ضلالاتهم وأوهامهم وشركهم، لا تزيدهم الأيام إلا إصراراً على الكفر وظلمة وضلالاً.
والضمير في (جعلناها) قال قوم: يعود للعقوبة، أي: تركنا هذه العقوبة التي كانت بالطوفان والغرق عبرة ودرساً للعالمين بكل أنواعهم إلى يوم القيامة.
وقال بعضهم: (وجعلناها) أي: السفينة نفسها بما حملت وأنجت من الذين ركبوها.
وسواء عاد الضمير للعقوبة أو للسفينة أو للنجاة فالمعنى واحد، فقد كان الطوفان عبرة، وكانت نجاة نوح ومن آمن معه عبرة، وكل ذلك تركه الله في كتابه عبرة للمعتبرين وفكراً للمفكّرين ودرساً للدارسين؛ ليتخذوا منه العبر في حياتهم ومستقبل أيامهم، حتى إذا حدّثت الإنسان نفسه بالكفر والشقاق فيجب أن يعلم أن الذي عاقب الأولين بعضهم بالغرق وبعضهم بالخسف وبعضهم بجعل الأرض عاليها سافلها هو الله الذي كان ولا يزال، والذي لا أول له ولا آخر، وهو على ما كان لا يزال جل جلاله.
وذلك درس وتهديد ووعيد للكفرة والمنافقين الذين يأبون إلا الإصرار على الكفر والشرك.


الصفحة التالية
Icon