تفسير قوله تعالى: (وإبراهيم إذ قال لقومه)
قال تعالى: ﴿وَإِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [العنكبوت: ١٦].
إبراهيم مفعول منصوب لأرسلنا المتقدمة، ويحتمل أن يكون المعنى: واذكر يا محمد! إبراهيم، أي: اذكر قصته وطالما تُليت وكررت في القرآن الكريم عند كل مناسبة لحكمة جدت ولواقعة نزلت ولعبرة دعت إليها، وكذلك هي تسلية وتعزية له صلى الله عليه وسلم؛ لأن نوحاً تحمّل من قومه الشدائد ألف سنة إلا خمسين عاماً، وتحمل إبراهيم من ذلك ما يقاربه أو يزيد، فقد ابتلي في سبيل الدعوة إلى الله من قومه منذ اليوم الأول بأن أُخذ أخذاً وطُرح في النار للحرق وللعذاب والمحنة، ولكن يأبى الله إلا نصرة رسله وأوليائه والعاقبة للمتقين.
فأنت يا محمد! مهما كذّبك قومك وقالوا: إنك ساحر ومجنون، ومهما هجروك وأدموك وأخرجوك من بلدك فلم يحصل لك ما حصل لنوح مع قومه ولا لإبراهيم مع قومه، فكان ذلك من الله جل جلاله تقوية لقلب النبي ﷺ ليزداد نشاطاً وحركة ودواماً واستمراراً في الدعاء إلى الله وتبليغ الرسالة والأمر بها بلسانه وبسيفه وفي حياته كلها حاضراً ومسافراً.
وإبراهيم عليه السلام دعا قومه إلى ترك الأوثان وإلى نبذها، وإلى أن المعبود هو الله الحق، فهو الخالق وهو الرازق وهو الواحد الذي لا ثاني له ﴿وَإِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ﴾ [العنكبوت: ١٦]، أي: اجعلوا وقاية وشيئاً يقيكم من عذاب الله ولعنته وغضبه وعقابه، وهذه الوقاية هي عبادته وطاعته وامتثال أمر نبيهم.
فقال لهم: يا قومي! إيمانكم بالله وعبادتكم له وحده خير لكم حالاً ومآلاً، وخير لكم في الدنيا والآخرة، ففي الدنيا ينصركم الله ويملككم رقاب الخلق حُكّاماً عليهم وناشرين للتوحيد والعدل، وفي الآخرة يجازيكم الله ويكافئكم برحمته ورضاه وبدخول الجنان.
﴿إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [العنكبوت: ١٦]، أي: إن كانت لكم عقول تفهم وآذان تسمع، وعيون تُبصر، وأما إن كانوا كما وصفهم الله بأنهم كالأنعام بل هم أضل فسيصرون على كفرهم وعلى شركهم وعلى عنادهم.
فبعد أن دعاهم إلى الله وبين لهم ما يجب أن يفعلوه وما يجب أن يتركوه ذكر لهم أن ذلك خير لهم لو كان عندهم علم ومعرفة.