تفسير قوله تعالى: (قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق)
أكد الله تعالى المعنى السابق ليلفت أنظار الخلق لترك الوثنية والشرك والكفر فقال سبحانه: ﴿قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ﴾ [العنكبوت: ٢٠].
أي: قل يا محمد لهؤلاء: سيروا في الأرض وانظروا إلى الآثار القديمة، هذه الحفريات، هذه القصور، هذه الأهرامات كيف صنعت؟ وكيف قطعت تلك الأحجار العظيمة الطويلة من مسافات بعيدة؟ وكيف قطعت على نفس الشكل؟ وكيف وضع بعضها على بعض؟ قصور بابل كيف بنيت؟ وكيف بقيت خرائبها؟ كل هذا صنعته عقول البشرية، والله هو الذي خلقها.
فلماذا الطغيان؟ ولماذا يظن إنسان هذا القرن أنه أعلم الناس وأقوى الناس وأعرف الناس؟ يجب على الإنسان أن يعتبر وأن يفكر، ولذلك اعتبر الفكر نوع من العبادات.
فإذا تفكر: من خلقني؟ كيف صنعت؟ من خلق هذه السموات؟ من خلق هذه الآثار؟ تكون النتيجة إن كان سليم العقل وكان مؤمناً هو أنه سيقول بغير شعور: الله، ولن ينكر ذلك إلا من لا عقل له، لأنه لا دليل على الكفر لا من منطق عقل ولا من برهان نقل، لا من القديم ولا من الحديث.
قال تعالى: ﴿ثُمَّ اللَّهُ يُنشِئُ النَّشْأَةَ الآخِرَةَ﴾ [العنكبوت: ٢٠].
الذي أنشأ الخلق وابتدأه لأول مرة قادر على أن يعيده مرة ثانية، فالذي قدر على الأول يقدر على الثاني، والذي قدر على أن يوجدنا من العدم وعلى غير مثال سابق ألا يقدر على أن يوجدنا مرة ثانية؟ إن القرآن ليس كبقية الكتب التي يجب الاستسلام لها دون دليل ولا عقل ولا فكر فيما يزعمون، ومن قال ذلك فقد كذب على الله، فكتاب الله هو الإسلام، والله يخاطبنا في كتابه ونبيه عليه الصلاة والسلام في سنته بمنطق العقل، ولذلك تجد في القرآن: (أفلا يعقلون)، (أفلا يذكرون)، (أفلا يبصرون)، ويذكر آيات في خلق الأرض والسماء: ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ﴾ [البقرة: ١٦٤] إلى آخرها، يقول النبي بعد تلاوة مثل هذه الآيات: (ويل لمن قرأها ولم يتدبرها)، يدعو بالويل على من يقرأ ذلك بغير تدبر، وبغير تفهم وتعقل.
فديننا ليس كدين الرهبان الدجاجلة الذين أضلهم الله، والله إذا أراد ضلال إنسان كان ذلك لفساد ما في نفسه ﴿إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا﴾ [الأنفال: ٧٠].
قال تعالى: ﴿ثُمَّ اللَّهُ يُنشِئُ النَّشْأَةَ الآخِرَةَ﴾ [العنكبوت: ٢٠] أي: النشأة الثانية يوم القيامة.
قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [العنكبوت: ٢٠].
أي: ليس شيء إلا والله قادر عليه، يفعل ما يشاء، ويقدر على ما يشاء، خلق هذه السموات والأرض، وخلق ما في الكون من عجائب وغرائب، ومن أعجب ذلك خلق الإنسان، وأعجب من الإنسان هذه الحشرة الصغيرة التي لا تكاد ترى إلا بالمكبر خلقت بلسان وأمعاء وسمع، ورزقها وزوجها وجعل لها جنساً، وجعل لها إحساساً، فمن يستطيع أن يصنع ذلك؟ وفي كل شيء له آية تدل على أنه الواحد ومع ذلك فالإنسان ينكر، وكفار العصر أكثر من كفار الماضي، فالكفار الماضون لم يكونوا ينكرون وجود الله، إنما يدعون له شركاء، أما كفرة اليوم كالشيوعية والاشتراكية والوجودية فتنكر وجود الله.
وبهذا الفكر عاشت بعض دول العالم في فساد وضياع، وحاولت أن تدخل هذا الضياع إلى جامعات المسلمين ومدارسهم، حتى مسخت بعض عقول المسلمين فأصبحوا أشد عداء للإسلام وهم يحملون اسم المسلمين، ويصنعون بالإسلام والمسلمين ما لا يفعله أعداؤه من اليهود والنصارى وغيرهم.