تفسير قوله تعالى: (وقارون وفرعون وهامان)
قال تعالى: ﴿وَقَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مُوسَى بِالْبَيِّنَاتِ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الأَرْضِ وَمَا كَانُوا سَابِقِينَ﴾ [العنكبوت: ٣٩].
أي: وكذلك أرسل الله تعالى إلى قارون وفرعون موسى عليه الصلاة والسلام بالآيات البينات، والمعجزات الواضحات، يدعوهم إلى الله، إلى ترك الأوثان.
والمعنى: اذكر يا محمد! قارون الذي أوتي من الأموال ما إن العصابة والجماعة من الناس لا تستطيع حمل مفاتيح خزائنها لثقل تلك المفاتيح، وكان في تلك الخزائن الذهب والفضة والمجوهرات التي لم يكد يملكها إلا القليل من الناس قبل وبعد، فإذا به يتيه بهذا المال على الخلق، ويجعل ذلك حقاً من حقوقه، ولا يكاد يهتم بأحد، تعاظماً وتكبراً وطغياناً وجبروتاً.
ومن يتأله على الله يكذبه، والكفر بالقدر بلاء في الدنيا وبلاء في الآخرة، وأول كفر في الأرض كان من إبليس بسبب القدر، وقارون كان من قوم موسى فبغى عليهم، وفرعون الذي قال لقومه: لا أعلم لكم إلهاً غيري، وقال عن نفسه: أنا ربكم الأعلى، واستدل على ذلك بسخافات وحقارات، فمنها ما قاله الله تعالى: ﴿أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي﴾ [الزخرف: ٥١]، اتخذ ملكه لجزء من الأرض سبباً لتألهه، وملكه لا يكاد يعتبر نقطة في مياه الأرض العذبة، ونصب نفسه على الناس إلهاً، فكان كاذباً فاجراً سخيفاً.
وهامان كان وزيراً لفرعون وناصره على ذلك وواطأه، وقد أرسل الله لهم موسى يدعوهم إلى الله بالآيات البينات، فقد جاء بتسع آيات، جاء بالعصا، وباليد تخرج من الجيب بيضاء كأنها اللؤلؤ الدري، وبالضفادع، وبالدم إلى أن جاء بأن ينفلق له البحر، فكان كل فرق كالطود العظيم، فكان جواب هؤلاء أنهم كفروا بالله، وخرجوا عن أمر الله، فجوزوا على ذلك.
وقوله تعالى: ﴿وَقَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مُوسَى بِالْبَيِّنَاتِ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الأَرْضِ وَمَا كَانُوا سَابِقِينَ﴾ [العنكبوت: ٣٩].
هؤلاء الثلاثة جاءهم موسى عليه الصلاة والسلام برسالة الله وآياته البينات، فاستكبروا في الأرض، وكذبوا بالآيات التي أتى بها موسى، وجحدوا الحق وأبوا إلا الكفران والجحود، وعاشوا على ذلك، إلى أن عاقبهم الله بما نعلمه وبما سيقصه علينا مجدداً.
اتخذوا الكبرياء رداءً وديناً، وتكبروا على موسى وهارون، وتكبروا على المؤمنين من عباد الله واتخذوهم خولاً وعبيداً.
وقوله تعالى: ﴿وَمَا كَانُوا سَابِقِينَ﴾ [العنكبوت: ٣٩].
أي: لم يسبقوا غيرهم إلى الإيمان بالله، أو لم يفلتوا منا عن عقوبتهم، فعاقبهم الله ودمرهم واحداً واحداً.
ولم يكونوا على ما كانوا عليه من شئون الدنيا سباقين للإيمان بموسى وهارون، وللإيمان بما أنزل عليهم من توراة، بل كانوا سباقين للكفر حريصين على الشرك، متكبرين على الله ومتعاظمين عليه.


الصفحة التالية
Icon