تفسير قوله تعالى: (إن الله يعلم ما يدعون من دونه من شيء وهو العزيز الحكيم)
قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ [العنكبوت: ٤٢].
أي: أن الله جل جلاله هو العالم بالخفايا، والعالم بالسر والعلن، والعالم بالسر وما هو أخفى، فهو يعلم ما يدعو هؤلاء من دون الله ويعبدونه من مخلوقات الله مما لا تضرهم ولا تنفعهم، وليست إلا أشبه ببيوت العناكب، فمن فعل ذلك كان ضائع العقل، ذاهب الفهم، حريصاً على الجنون في الدنيا وعدم المعرفة، وما ينور العقل إلا الإيمان بالله وبرسله وكتبه.
وقوله تعالى: ﴿وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ [العنكبوت: ٤٢].
أي: وهو العزيز الذي لا يمانع ولا يغالب ولا ينال؛ فإن العزة لله جميعاً، فلا يعز إلا من أعزه الله، ولا عز إلا للمؤمنين، ﴿وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ﴾ [المنافقون: ٨].
والعنكبوت حرم الشارع قتلها، فهي التي نسجت على باب غار ثور الذي اختفى فيه النبي ﷺ وصاحبه من كفار مكة عندما تواطئوا وتآمروا على قتله ومنعه من الهجرة إلى المدينة المنورة، فلما خرجا من مكة تبعهما الكفار فتلمسوا آثار المشي حتى وصلوا إلى فم الغار، فقالوا: هنا انقطع الأثر، فقال قائل: ادخلوا الغار، فقالوا: لو دخله أحد لتمزق بيت العنكبوت ولما عشعش فيه، وهذا الطائر قد باض وفرخ.
فالعنكبوت دافعت عن النبي ﷺ وهي أضعف ما يكون، وكذلك الحمام دافع عن نبينا وهو من أضعف ما يكون، فقد حمى الله به النبي صلى الله عليه وسلم، وصانه من أعدائه، ولذلك أعطي الحرمة.
وقالوا: إن الحمام المعروف يعتبر من نسل تلك الحمامتين، فحرم الله صيد الحمام وإزعاجه وقتله، وحرم أكل فراخه وبيضه.
وحرم قتل العنكبوت أيضاً احتراماً لذلك، وهذا من خصائصها ومما جعل الله على يدها في الحفاظ على حياة رسول الله، وصيانته من أعدائه.


الصفحة التالية
Icon