تفسير قوله تعالى: (الذين صبروا وعلى ربهم يتوكلون)
قال تعالى: ﴿خَالِدِينَ فِيهَا نِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ﴾ [العنكبوت: ٥٨].
ثم بين صفات (العاملين) فقال: ﴿الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾ [العنكبوت: ٥٩].
أي: صبروا على طاعة الله، وصبروا على الجهاد، ولو ببذل الأنفس والأموال والأولاد، وصبروا على ترك المنكرات بكل أنواعها، وصبروا على العبادة بكل أشكالها، فصلوا والناس نيام في أيام البرد، وصاموا مع الحر وشدة القيظ، وحجوا بيت الله الحرام من أقاصي الدنيا ومشارق الأرض ومغاربها.
وأدوا الزكاة بحسب القيود والشروط المفترضة، من بلوغ الحول، وتمام النصاب.
صبروا على أنواع الطاعات كما صبروا على ترك أنواع المنكرات.
فهذا الذي يصبر هو العامل الذي يسكنه الله ويبوؤه الغرف العالية في الجنان التي تجري الأنهار من تحتها، وهو خالد فيها أبد الأبدين.
﴿وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾ [العنكبوت: ٥٩].
أي: توكلوا في أعمالهم على الله.
والتوكل أن تقدم على ما أنت مقدم عليه، وليس معناه أن تدع العمل وتتواكل، أو تتردد فتقول: أفعل أو لا أفعل؟ أصنع أو لا أصنع؟ فإن التردد خلق قبيح في الإنسان، ولكن التوكل على الله: أن تعزم على تنفيذ الشيء، ثم دع أمره إلى الله.
فلنتوكل على الله لنجد قوة على العمل، وقوة على الترك، فلا توهينا الشهوات، ولا توهينا النزوات بكل أشكالها وأنوعها.
فهؤلاء العاملون المتوكلون على الله الصابرون في طاعة الله، هم الذين نعم عملهم، ونعم ما يأجرون عليه من الغرف العالية في الجنان التي جعلها الله متبوأ للمؤمنين العاملين.