تفسير قوله تعالى: (أو لم يروا أنا جعلنا حرماً آمناً)
قال تعالى: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ﴾ [العنكبوت: ٦٧].
قال الله لكفار مكة -وهذا خاص بهم وعام فيمن بعدهم-: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ﴾ [العنكبوت: ٦٧].
أي: ألم ير هؤلاء أنا جعلنا مكة حرماً آمنا، حرمنا فيها الظلم، والسرقة، والقتل، وحرمنا فيها جميع الفواحش مما يقلق الأمن ويزيله، ويتخطف الناس من حولهم قتلاً وأسراً سرقة وطغياناً.
ألم ير هؤلاء -سكان مكة- كيف أن الله جعل بلده بلداً آمناً، وحرماً حرمه على أن يساء فيه! وكان هذا وقت نزول الإسلام.
ويتخطف الناس حول الحرم فيقتلون، ويؤسرن، ويستعبدون، ويمتهنون، وتؤخذ أموالهم.
فأهل مكة آمنون في أرضهم، وجميع جزيرة العرب، بل وجميع الدنيا لا آمان فيها، ولا راحة، ولا استقرار، ولا أمان على بيت، ولا على مال، ولا على عرض، وهم مع ذلك يأبون إلا الكفر والشرك.
﴿أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ﴾ [العنكبوت: ٦٧].
أي: أهؤلاء بعد كل هذه النعم التي أنعمنا عليهم، يؤمنون بالشرك، ويؤمنون بالشيطان.
﴿وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ﴾ [العنكبوت: ٦٧].
فجحدوا نعمة الله في جعل هذا بلداً آمناً، وجعله حرماً، وهذا كقوله فيما مضى في سورة القصص: ﴿وَقَالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا﴾ [القصص: ٥٧].
وكقوله تعالى: ﴿وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا﴾ [آل عمران: ٩٧].
وكقوله تعالى: ﴿أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ﴾ [قريش: ٤].
أمنهم من الخوف: من القتل، وأطعمهم من جوع، فكانت لهم رحلتان، في الصيف والشتاء إلى أرض الشام واليمن.