تفسير قوله تعالى: (الم)
قال الله تعالى: ﴿الم * غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ * فِي بِضْعِ سِنِينَ﴾ [الروم: ١ - ٤].
هذه السورة مكية، نزل بها الروح الأمين جبريل على قلب نبينا ﷺ في مكة المكرمة، وهي مشتملة على ستين آية، وتكاد تكون جميع آيها الأول معجزات، وكأنها أنزلت في عصرنا هذا.
ومعجزاتها: أن الله جل جلاله أخبرنا عما سيكون في عصرنا هذا قبل ألف وأربعمائة عام حتى كأن النبي ﷺ يرى ذلك رأي العين، فهذا هو الوحي الذي أوحى الله به، فكان الأصل معجزة له، وكان بعد ذلك وإلى عصرنا تظهر معجزاته بأتم وأكمل وأشمل وجه بعد مضي هذه القرون الطوال، قال تعالى: ﴿الم﴾ [الروم: ١].
وقد سبق أن تكلمنا في السور الماضية عن هذه الحروف المقطعة التي افتتحت بها السور، وأن الصحابة والتابعين والأئمة المجتهدين طالما اختلفوا في تأويلها وبيانها وتفسيرها، وانتصروا غير مرة لما قاله الزمخشري وأيده معاصرون، فالقرآن هذا معجز بلفظه ومعناه، وقد تحدى الله به الخلق إنسهم وجنهم على أن يأتوا بمثله، وعلى أن يأتوا بسورة من مثله، وعلى أن يأتوا بعشر آيات من مثله، فعجزوا أجمعين أبتعين أبصعين، والتحدي لا يزال قائماً إلى يوم الناس هذا، فهذا القرآن المعجز إنما تركب من هذه الحروف الأبجدية العربية، ومع ذلك يقول لهم: يا هؤلاء الذين لم تؤمنوا بعد بالله إن استطعتم أن تأتوا بمثله، فهذه الحروف بين يديكم تسمعون منها ما يقاربه أو يشابهه، فإن استطعتم فافعلوا، ولن تستطيعوا ولو كان بعضكم لبعض ظهيراً.