معنى قوله تعالى: (أولم يتفكروا)
ثم فصل الله تعالى فقال: ﴿أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ﴾ [الروم: ٨].
يحكي الله عن هؤلاء الذين لا يؤمنون إلا بظاهر الحياة الدنيا، فتجد الرجل الطويل العريض منهم يسمونه بالأستاذ الكبير، ويسمونه بالعالم الكبير، ويكتبون له من المؤلفات العشرات والمئات، وإذا أخذ يحدثك عن الله والدار الآخرة حدثك حديث حيوان أعجم، ولذلك نفى الله عنهم العلم البتة، فقال: ولكن أكثر الناس لا يعلمون، فأكثر الكفار لا يعلمون، ثم عاد فنسب لهم علماً هو إلى الجهل أقرب.
﴿يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ [الروم: ٧]، فيعلمون كما تعلم الدابة: كيف يأكلون، وكيف يشربون، وكيف يخزنون هذا الطعام، وكيف يخزنون هذا الشراب، ومع ذلك كم عجزوا فتمضي سنوات ويموت مئات الملايين من الخلق جوعاً، فلم يستطيعوا توفير الطعام والشراب لهم على كثرة خيرات الأرض، وكثرة الغيث من السماء على الأرض، وما في البحار من حيتان ولحوم وأرزاق، وما في الأجواء والغابات من أنواع الطيور، وما فيها من أنواع الحيوانات والصيد، ومع ذلك الناس يموتون جوعاً.
ففي إفريقيا يموت ملايين من الخلق جوعاً، وفي الهند يموت كل سنة ما يزيد على عشرة إلى خمسين مليون جوعاً، وفي الصين كل سنة يموت ما بين خمسين إلى مائة مليون جوعاً، وهذا ما يقول الله عنه: ﴿يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ [الروم: ٧]، فلا ينبغي لمؤمن أن يكبروا في عينه، وأن يحسب لهم حساباً، فهم لا يزيدون فهماً على ما تفهمه الدابة من السعي لطعامها، وعلى ما يفهمه الكلب من السعي وراء فريسته، وعلى ما يعلمه الخنزير من البحث عن طعامه في المزابل والقاذورات والأوساخ، ومن يحاول أن يأخذ علمه وهدايته وحضارته منهم فقد ترك النور الحق وذهب إلى الضلال، وترك الرحمن وذهب للشيطان، وترك الدين الحق دين التوحيد وذهب إلى هؤلاء الذين لا يعلمون شيئاً، وحتى ما يعلمونه من الحياة ظاهراً لا يكاد يذكر، ولا تكاد يعتبر، فلا تجاوز طعاماً في بطن، وشراباً، ولبسة على الظهر، وليس ذلك لكل الخلق والبشر في الأرض.


الصفحة التالية
Icon